إلى فتوى من يرى انفتاحه ويدعي التمكن من الاجتهاد وذلك لعلمه بخطئه ومع تخطئته لا يتمكن العامّي من الرجوع إليه ، إلاّ أنه تام بالإضافة إلى العامّي كما عرفت هذا كلّه فيما يمكن أن يعتمد عليه العامي في المقام.

ما دلّ على جواز التقليد‌

وأما ما يمكن أن يستدل به المجتهد على جواز التقليد في الشريعة المقدسة فهو أُمور :

منها : السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع عنها وقد تقدمت ، وهي تقتضي جواز التقليد والإفتاء كليهما.

ومنها : قوله عزّ من قائل ﴿ فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١) فإنها تدلنا على وجوب النفر حسبما تقتضيه لولا التحضيضية ، كما تدلنا على وجوب التفقه والإنذار لأنهما الغاية الداعية إلى الأمر بالنفر ، وتدلنا أيضاً على أن مطلوبية التفقه والإنذار ليست لأجل نفسيهما ، بل من جهة احتمال التحذر بواسطتهما ، فالغاية من ذينك الواجبين هو التحذر عند الإنذار ، وحيث إن الآية مطلقة فيستفاد منها أن التحذر عقيب الإنذار واجب مطلقاً ، سواء حصل العلم من إنذار المنذرين أم لم يحصل.

وتوضيحه : أن الحذر على ما يستفاد من مشتقاته وموارد استعمالاته ، عنوان للعمل وليس عبارة عن الخوف النفساني فحسب ، ومعناه التحفظ عن الوقوع فيما لا يراد من المخاوف والمهالك ، مثلاً إذا حمل المسافر سلاحه في الطريق المحتمل فيه اللّص أو السبع للمدافعة عن نفسه أو ماله يقال : إنه تحذّر فهو فعل اختياري وليس بمعنى الخوف كما مر ، وقد دلت الآية المباركة على وجوبه ، وبما أن التحذر غير مقيد فيها بصورة حصول العلم من إنذار المنذرين لكي يجب التحذر بالعلم المستند إلى الإنذار ، فلا مناص من الالتزام بوجوب التحذر عقيب الإنذار مطلقاً ، حصل للمتحذر علم من إنذار المنذرين أم لم يحصل.

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٢٢.

۳۷۹