منهما أُخذ بالآخر أم لم يؤخذ به ، ولا يمكن الأخذ بإطلاقهما من كلتا الجهتين لاستلزامه الجمع بين الضدين أو النقيضين ، كان رفع المعارضة بينهما منحصراً برفع اليد عن إطلاق أحدهما أو كليهما وهذا يتصوّر بوجوه :

أحدها : أن يرفع اليد عن إطلاق الأدلة الدالة على الحجية في أحدهما دون الآخر ، بأن نلتزم بحجية أحد المتعارضين دون الآخر رأساً.

وثانيها : أن يتحفظ بإطلاق الأدلة الدالة على الحجية في كلا المتعارضين فيلتزم بحجية فتوى غير الأعلم مطلقاً سواء أُخذ بفتوى الأعلم أم لم يؤخذ بها ، وبحجية فتوى الأعلم مقيدة بما إذا لم يؤخذ بفتوى غير الأعلم بأن تكون حجية إحداهما مطلقة وحجية الأُخرى مقيدة.

ثالثها : عكس الصورة الثانية بأن تكون حجية فتوى الأعلم مطلقة أُخذ بفتوى غير الأعلم أم لم يؤخذ بها ، وحجية فتوى غير الأعلم مقيدة بما إذا لم يؤخذ بفتوى الأعلم.

رابعها : أن يتحفظ على إطلاق الأدلة في كليهما فيلتزم بحجية كل منهما مقيدة بما إذا لم يؤخذ بالآخر.

وحيث إن شيئاً من ذلك لا مرجح له ، فلا يمكننا التمسك بالإطلاق في شي‌ء من المتعارضين لا في أصل الحجية ولا في إطلاقها وتقييدها ، وهو معنى التساقط كما قدّمناه.

الوجه الثاني : أن وجوب تقليد الأعلم عسر على المكلفين‌ وذلك للحرج في تشخيص مفهوم الأعلم وفي تمييز مصاديقه وفي وجوب تعلم آرائه وفتاواه ، وهذا لأنه لو وجب تقليد الأعلم وجب على كل مكلف أن يتعلم فتاواه ويحصّل آراءه من مظانها ، وهذا فيه حرج على أهل البلاد فضلاً عن سكنة القرى والبوادي ، فالاقتصار على تقليد الأعلم فيه حرج عظيم وهو مرفوع في الشريعة المقدّسة.

والجواب عنه : أن شيئاً من تلك المراحل لا يستلزم الحرج ، أما تشخيص مفهوم الأعلم فلما يأتي من أن المراد به هو من كان أقوى استنباطاً للأحكام وأمتن استنتاجاً لها من أدلتها ، وهذا يتوقف على معرفته بالقواعد والكبريات وعلى حسن سليقته في‌

۳۷۹