بأنفسهم ، لا أن الإرجاع إلى فتاواهم ليقاس ذلك بالأخبار ويدعى أن الفتوى كالرواية لا يفرق الحال في حجيتها بين أن يكون المفتي حياً أو ميتاً ، كما هو الحال في راوي الحديث. إذن لا موضوع للإرجاع بعد موتهم فهذا الوجه غير تام.

ومنها : السيرة‌ ، بتقريب أن العقلاء قد جرت سيرتهم على رجوع الجاهل إلى العالم ، ولا يفرّقون في ذلك بين العالم الحي والميت ، ومن هنا لو مرض أحدهم وشخّص مرضه لرجعوا في علاجه إلى القانون وغيره من مؤلفات الأطباء الأموات من غير نكير ، وحيث لم يردع عن هذه السيرة في الشريعة المقدسة فنستكشف أنها حجة وممضاة شرعاً.

ويرد على هذا الوجه : أن جريان السيرة على رجوع الجاهل إلى العالم مطلقاً وإن كان غير قابل للمناقشة ، إلاّ أنها لو لم تكن مردوعة بما يأتي من أن الأدلة الواردة في حجية فتوى الفقيه ظاهرة في فتوى أحيائهم ، لا تقتضي جواز تقليد الميت في نفسها وذلك لما مرّ من أن العامّي فضلاً عن غيره لا تخفى عليه المخالفة بين العلماء الأموات والأحياء في المسائل الشرعية بل بين الأموات أنفسهم ، ومع العلم بالمخالفة لا تشمل السيرة فتوى الميت بوجه ، لأن الأدلة ومنها السيرة غير شاملة للمتعارضين.

ومنها : الاستصحاب‌ ، وذلك للقطع بحجية فتوى الميت قبل موته فإذا شككنا في بقائها على حجيتها وعدمه ، استصحبنا حجيتها وبه يثبت أن العمل على فتوى الميت مؤمّن من العقاب. نعم ، لولا هذا الاستصحاب تعيّن الرجوع إلى فتوى الحي بمقتضى قاعدة الاشتغال لأنها المتيقنة من حيث الحجية ، وهذا بخلاف فتوى الميت للشك في حجيتها بموته.

والجواب عن ذلك : أنا لو أغمضنا عن أنه من الاستصحابات الجارية في الأحكام لوضوح أن الشك إنما هو في سعة الحجية المجعولة وضيقها ، وقد بيّنا في محله عدم جريان الاستصحاب في الأحكام ، وفرضنا أن لنا يقيناً سابقاً بحجية فتوى الميت بالإضافة إلى الجاهل المعدوم في عصره ، بأن بنينا على أن حجية فتوى الميت إنما جعلت في الشريعة المقدسة على نحو القضايا الحقيقية ، وموضوعها الجاهل المقدّر الوجود لتشمل الجاهل الموجود في عصر المجتهد الميت والجاهل المعدوم الّذي سيوجد‌

۳۷۹