عدم العلم بالمخالفة مما لا وجه له ، هذا.

وأما ما استدل به على جواز الرجوع إلى فتوى غير الأعلم ، إذا لم يعلم المخالفة بينه وبين الأعلم فهو أُمور :

الأوّل : إطلاقات الأدلة القائمة على حجية فتوى الفقيه من الآية والأخبار‌ المتقدمتين وقد خرجنا عنها في صورة العلم بالمخالفة وبقيت صورة العلم بالموافقة بينهما وكذا صورة الشك في المخالفة مشمولة لإطلاقها ، حيث دلت على جواز تقليد الفقيه من غير تقييده بما إذا كان أعلم.

وقد يناقش في الاستدلال بالمطلقات بأن صورة العلم بالمخالفة قد خرجت عنها كما عرفت ، ومع الشك في الموافقة والمخالفة لا مجال للتمسك بإطلاقها ، لأنه من التمسك بالعموم والإطلاق في الشبهات المصداقية وذلك لاحتمال مخالفتهما في الفتوى واقعاً.

وأُجيب عن ذلك بأن التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية وإن لم يجز إذا كان المخصص لفظياً ، إلاّ أنه في المخصصات اللبية مما لا مانع عن التمسك به ، والأمر في المقام كذلك فإن صورة العلم بالمخالفة إنما خرجت عن المطلقات من جهة أن شمول أدلة الحجية للمتعارضين يستلزم الجمع بين الضدين أو النقيضين ، ومع كون المخصص لبياً لا مانع من التمسك بالعموم.

ويرد على هذا الجواب : ما قررناه في محلّه (١) من أنه لا فرق في عدم جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية بين أن يكون المخصص لفظياً أو لبياً ، فإن التقييد والتخصيص يعنونان العام بعنوان ما لا محالة ، لاستحالة الإهمال في مقام الثبوت كاستحالة الإطلاق بعد العلم بالتقييد ، إذن يتعيّن أن يكون المطلق أو العام مقيداً بغير عنوان المخصص ، ولم يحرز أن العنوان المقيد صادق على المورد المشكوك فيه ، ومع عدم إحرازه لا مجال للتمسك بالإطلاق أو العموم.

والصحيح في الجواب أن يقال : إن المناقشة غير واردة في نفسها وذلك لأن الشبهة وإن كانت مصداقية كما مرّ إلاّ أن هناك أصلاً موضوعياً يحرز به أن المورد المشتبه من‌

__________________

(١) محاظرات في أُصول الفقه ٥ : ١٩٦.

۳۷۹