عدم كون الرواة عالمين بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية.

على أن السند أيضاً لا يكون قطعياً دائماً بالإضافة إلى الرواة ، فإن الرواة من أصحابهم قد ينقل الرواية عن راوٍ مثله ، فلا فرق بين المجتهد من أصحابهم عليهم‌السلام والمجتهد المتأخر عن عصرهم إلاّ في أن الواسطة في روايات أصحاب الأئمة عليهم‌السلام أقل منها في روايات غيرهم من الرواة.

وبما بيّناه ظهر أن العلم بالأحكام الواقعية أو الأحكام الظاهرية غير معتبر في مفهوم الفقاهة وإنما هو أعم من ذلك ومن العلم بقيام الحجة على الحكم ، إذ لو لا ذلك لم يوجد في العالم مصداق للفقيه ، ولم يصح إطلاقه على أحد من أصحابهم عليهم‌السلام ولا غيرهم فلا يتحقق معه موضوع لما دلّ على جواز الرجوع إلى من تفقّه في الدين أو عرف شيئاً من أحكامهم.

وعلى الجملة لا فرق في جواز الرجوع إلى المجتهد بين القول بأن المجعول في الحجج والأمارات هو الطريقية والكاشفية ، والقول بأنه الحكم المماثل ، والقول بأنه المنجّزية والمعذّرية ، لما ظهر من أن الرجوع إلى المجتهد على جميع هذه المسالك من رجوع الجاهل إلى الفقيه ، هذا كلّه في الرجوع إلى المجتهد في موارد الطرق والأمارات.

أما الرجوع إليه في موارد الأُصول العملية فقد يتوهّم أن ذلك من رجوع الجاهل إلى مثله ، لأن المجتهد في تلك الموارد كالعامّي لا علم له بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية.

وهو توهم فاسد فإن الأُصول العملية قسمان : قسم منها تعبدي شرعي كما في الاستصحاب وأصالتي البراءة والإباحة ، وقسم منها عقلي.

أما الأُصول العملية التعبدية فلا ينبغي التأمل في أن الرجوع فيها إلى المجتهد من رجوع الجاهل إلى الفقيه والوجه فيه : أن الفقاهة ليست إلاّ معرفة الأحكام المترتبة على الموضوعات الخارجية ، والشك موضوع خارجي ويصدق الفقاهة على معرفة حكمه ، لوضوح عدم الفرق في صدقها بين العلم بالأحكام المترتبة على موضوعاتها بعناوينها الأولية ، وبين العلم بالأحكام المترتبة على موضوعاتها بعناوينها الثانوية.

وبعبارة اخرى أن الدين عبارة عن مجموع الأحكام الصادرة من الشارع وهي قد‌

۳۷۹