فاتته من الصلوات وإذا زال العلم زال التنجز لا محالة. ولا يكفي العلم السابق بحدوثه في التنجز بحسب البقاء ، ومن ثمة إذا استدان من زيد متعدداً وتردّد في أنه الأقل أو الأكثر جرت البراءة عن وجوب ردّ الأكثر مع العلم بتنجز وجوب ردّ الدين حين استلامه من الدائن ، وإنما تردد بعد وصوله وتنجز الأمر بالأداء ، ولا وجه له سوى ما قدّمناه من أن التنجز يرتفع بارتفاع المنجز الّذي هو العلم ، فإن وجوب دفع ما أخذه إنما كان متنجزاً ما دام عالماً بالحال فإذا زال زال التنجز لا محالة ، وجرى الأصل بالإضافة إلى المقدار الزائد المشكوك فيه.

وعلى الجملة الشك في المقام من الشك في أصل ثبوت التكليف الزائد فتجري فيه البراءة الشرعية والعقلية ، وليس من احتمال التكليف المنجز ، فإن التنجز إما أن يستند إلى العلم الوجداني أو التعبدي أو إلى العلم الإجمالي أو إلى كون الشبهة قبل الفحص ومع وجود شي‌ء من ذلك يكون الاحتمال من احتمال التكليف المنجز ، ومع عدم تحقق شي‌ء منها أو زواله لا معنى للتنجز وكون احتمال التكليف من احتمال التكليف المنجز.

بقي الكلام فيما سلكه المشهور في المسألة من وجوب القضاء بمقدار يظن معه بالفراغ ، ولم يظهر لنا مستندهم في ذلك بوجه لأنّا إن ألحقنا أمثال المقام بموارد قاعدة الاشتغال على ما قدّمنا تقريبه آنفاً ، فاللاّزم هو الحكم بوجوب القضاء بمقدار يقطع معه بالفراغ ولا مرخّص للاكتفاء معه بالظن به ، وإن قلنا إنها ملحقة بموارد البراءة كما هو الصحيح فلا يجب سوى القضاء بالمقدار المتيقن دون الأكثر ولو ظنّاً ، فما سلكه المشهور في المسألة لا وجه موجّه له.

نعم ، يمكن أن يوجّه كلامهم بأن أمثال المقام وإن كانت مورداً للبراءة في نفسها ، إلاّ أنهم التزموا فيها بالاشتغال نظراً إلى أن إجراء البراءة عن المقدار الزائد في تلك المقامات يستلزم كثيراً العلم بالوقوع في مخالفة التكليف الواقعي. وقد صرّحوا بذلك في جملة من الموارد ، كما إذا شكّ في استطاعته أو في بلوغ المال حدّ النصاب ، أو شكّ في ربحه أو في الزيادة على المئونة ، وقالوا إنها وإن كانت مورداً للبراءة في نفسها ، إلاّ أن إجراءها يستلزم العلم بالمخالفة ، لأن كل من شكّ في الاستطاعة أو الربح أو في الزيادة على المئونة أو البلوغ حد النصاب لو أجرى البراءة عن التكاليف المحتملة في تلك‌

۳۷۹