الموارد ، كوجوب الحج أو الخمس أو الزكاة لفاتت التكاليف الواقعية عن جملة من المكلفين بها واقعاً. والسر في ذلك أن امتثال التكاليف المذكورة غالباً يتوقف على الفحص فإن موضوعاتها مما لا يحصل العلم بها بغيره ، إذن إجراء البراءة في أمثال ذلك قبل الفحص يستلزم الوقوع في مخالفة الواقع كثيراً. ولعلّهم قد ألحقوا المقام أيضاً بتلك الموارد نظراً إلى أن الرجوع فيه إلى البراءة عن الزائد يستتبع فوات القضاء عن جملة ممن هو مكلف به واقعاً ، ومن هنا التزموا بالاشتغال في أمثال المقام وإن كانت في نفسها مورداً للبراءة كما ذكرناه.

ثمّ إن مقتضى ذلك وإن كان هو القضاء بمقدار يتيقن معه بالفراغ إلاّ أن إيجابه يستلزم العسر والحرج ، لأن احتمال التكليف باب موسّع وأمر خفيف المئونة فلو أوجبنا معه الاحتياط لوجب عند كل محتمل وهو أمر عسر ، ومن هنا لم يوجبوا الاحتياط بمقدار يوجب اليقين بالفراغ ، ولم يرخّصوا الاكتفاء بالاحتمال بالرجوع إلى البراءة عن الزائد ، لاستلزامه تفويت الواجب عمّن هو مكلّف به واقعاً ، واعتبروا الظن بالفراغ لأنه أوسط الأُمور وخير الأُمور أوسطها ، فإن هذا هو الحال في كل مورد تعذّر فيه الامتثال اليقيني على المكلّف ، فإن العقل يتنزل وقتئذٍ إلى كفاية الامتثال الاطمئناني ثمّ الامتثال الظني بل يكتفي بالامتثال الاحتمالي عند تعذر المراتب المتقدمة عليه ، ولا يتنزّل العقل إلى الامتثال الاحتمالي من الامتثال اليقيني ابتداءً على ما ذكروه في التكلّم على دليل الانسداد. إذن يلتئم مدرك المشهور من ضم أمر بأمر أعني قاعدة الاشتغال المنضمة إلى قاعدة نفي الحرج.

ويرد على ذلك أولاً : أن جريان البراءة في تلك الموارد وإن كان يستلزم العلم بالوقوع في مخالفة الواقع ، إلاّ أن الكلام في أن هذا العلم يحصل لأي شخص؟ أفيحصل العلم به للعامّي المتردد أو يحصل للمفتي بإجراء البراءة في تلك المقامات؟

أما المقلّد فلا علم له بالوقوع في مخالفة الواقع عند إجراء البراءة عن وجوب الحج أو الخمس أو الزكاة ، وإنما يحتمل المخالفة كما يحتمل الموافقة ، وأما المفتي بالجواز فهو وإن كان يحصل له العلم بذلك لأنه يعلم علماً إجمالياً أن جملة ممن يتمسك بالبراءة في تلك الموارد يقعون في مخالفة الواقع ويفوّتون بها التكاليف المتوجهة إليهم واقعاً ، إلاّ أن‌

۳۷۹