وأما الصورة الثانية : وهي ما إذا انكشفت مطابقة عمله للواقع لتوافق فتوى المجتهد الّذي يجب أن يقلّده بالفعل لما أتى به من دون تقليد من أحد أو عن التقليد غير الصحيح فلا مناص من الحكم بصح/ته ، لأنه أتى بالواجب الواقعي من دون نقص وتمشى منه قصد القربة على الفرض ، وقد مرّ أن العبادة لا يعتبر في صحتها سوى الإتيان بالعمل مضافاً به إلى الله فالعمل في هذه الصورة لا تجب إعادته ولا قضاؤه.

وأما الصورة الثالثة : وهي ما إذا لم ينكشف له الحال وتردد في أن إعماله هل كانت مطابقة للواقع حتى لا تجب إعادتها أو كانت مخالفة له حتى تجب إعادتها أو قضاؤها؟ فهل تجري قاعدة الفراغ بالإضافة إلى إعماله المتقدمة ليحكم بصحتها أو لا؟ ذكرنا عند التكلّم على قاعدة الفراغ أن جملة من الروايات الواردة في القاعدة وإن كانت مطلقة كقوله عليه‌السلام في موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « كلّما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو » (١) وقوله فيما رواه عن الصادق عليه‌السلام : « كلّما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه ولا إعادة عليك فيه » (٢) لعدم تقييدهما بما إذا التفت المكلّف إلى الأُمور المعتبرة في عمله حال الاشتغال به وإن كان يشك في صحته بعد العمل فإنه أمر غالب الاتفاق ، إذ العامل يأتي بالعمل وهو ملتفت إلى الأُمور المعتبرة فيه من الأجزاء والشرائط إلاّ أنه إذا مضت عليه برهة من الزمان نسي كيفية عمله ولم يتذكر أنه كيف أتى به بل قد ينسى الإنسان في اليوم ما أكله في اليوم السابق عليه ، مع الجزم بالتفاته إليه حين اشتغاله بأكله.

إلاّ أن في روايتين من رواياتها اعتبرت الالتفات والأذكرية حال العمل في جريان القاعدة :

إحداهما : حسنة بكير بن أعين قال « قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟ قال : هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك » (٣).

وثانيتهما : رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إن شكّ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

۳۷۹