المتعمد حمل للمطلق على المورد النادر ، إذ الإخلال بالمأمور به على الأغلب يستند إلى الجهل القصوري أو التقصيري أو يستند إلى النسيان ، وأما الإخلال متعمداً فهو أمر نادر بل لعلّه مما لا تحقق له في الخارج ، وذلك فإن المسلم ليس له أي غرض في الإتيان بالعمل فاقداً لبعض أجزائه وشرائطه عن عمد والتفات. نعم ، يمكن أن يعصي ولا يأتي بواجباته أصلاً ، وأما أنه يأتي بواجبه متعمداً في إبطاله ونقصه فهو أمر لا تحقق له أو لو كان فهو من الندرة بمكان. ولا ينبغي الشك في أن حمل المطلق على المورد النادر كذلك إلغاء له كلية ، وحيث إن الحديث لا يحتمل شموله للجاهل المقصّر دون الناسي والجاهل القاصر ، فلا مناص من أن يلتزم باختصاصه بالناسي والجاهل القاصر وعدم شموله للجاهل المقصّر حتى لا يلزم حمل المطلق على المورد النادر.

فبهذه القرينة لا بدّ من أن نلتزم في المقام بوجوب الإعادة والقضاء ، فإن الكلام إنما هو في الجاهل المقصر لتركه التقليد أو تقليده على غير الموازين المقررة شرعاً.

ثمّ إن بما سردناه في المقام اتضح أن العامد أيضاً غير مشمول للحديث وهذا لا لأنه لو شمل التارك عن عمد والتفات لم يكن للجزئية أو الشرطية معنى صحيح ، لما فرضناه من عدم بطلان العمل بترك شي‌ء من الأُمور المعتبرة فيه مع العمد والالتفات.

فإن هذا يمكن الجواب عنه بأن المكلّف لما أتى بالعمل فاقداً للجزء أو الشرط غير الركنيين فقد استوفى جملة من المصلحة الداعية إلى الأمر به ، وإن كان فاتته للمصلحة الباقية في المأمور به من دون أن يتمكّن من تداركها ، وبهذا المقدار من المصلحة يحكم بصحة عمله وإن كان يستحق العقاب لتفويته الواجب المشتمل على المصلحة التامة من دون أن يتمكن من تداركها ، بل لما مرّ من أن ظاهر الحديث أن وجوب الإعادة المستند إلى انكشاف الخلاف هو المرتفع عن المكلفين لا وجوب الإعادة المستند إلى أمر آخر ، ومعنى ذلك اختصاص الحديث بما إذا كان المكلّف بانياً على صحة ما أتى به ومعتقداً عدم فساده ، فلا يشمل ما إذا كان متردداً في صحته حين اشتغاله فضلاً عمّا إذا كان عالماً ببطلانه من الابتداء لتعمده في ترك جزئه أو شرطه ، فهو حين ما يأتي بالعمل مكلّف بالإتيان بنفس المأمور به لا بإعادته كما تقدم. إذن لا مجال لتوهّم شمول الحديث للإخلال العمدي بوجه ، هذا كلّه في هذه الصورة.

۳۷۹