كل مجتهد مصيب ، وتبدل الرأي في الأحكام من باب التبدل في الموضوع كتبدل المسافر حاضراً أو العكس.

والصحيح أن يقال : قد يطلق التصويب ويراد به أن قيام الطرق والأمارات سبب لحدوث المصلحة فيما أدّتا إليه ، وأن تلك المصلحة تستتبع جعل الحكم على طبقها فلا حكم واقعي وراء ما أدت إليه الأمارة عند المجتهد ، والنتيجة أن الأحكام الواقعية تابعة لآراء المجتهدين ، وجعل الحكم متأخر عن قيام الأمارة عليه ، وهذا هو المعبّر عنه بالتصويب الأشعري إلاّ أنه أمر غير معقول ، وذلك لأنه لو لم يكن هناك حكم مجعول واقعاً قبل قيام الأمارة ، فالأمارة تحكي عن أيّ شي‌ء ، وأنها تؤدّي إلى أيّ حكم وهل يعقل الكشف من دون مكشوف والحكاية من غير محكي؟ فلو توقف ثبوته على قيام الأمارة عليه لدار ، على أن لازمه اختصاص الأحكام الشرعية بمن قامت عنده الأمارة ، وهو خلاف التسالم والأخبار الدالة على أن لله سبحانه في كل واقعة حكماً يشترك فيه العالم والجاهل ومن قامت عنده الأمارة ومن لم تقم.

وقد يراد به أن في الواقع أحكاماً مجعولة حسبما فيها من المصالح المقتضية لجعلها‌

__________________

آخرون : المصيب فيها واحد ومن عداه مخطئ ، لأن الحكم في كل واقعة لا يكون إلاّ معيناً لأن الطالب يستدعي مطلوباً وذلك المطلوب هو الأشبه عند الله في نفس الأمر.

وفي فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت المطبوع بهامش المستصفى للغزالي ج ٢ ص ٣٨٠ : كل مجتهد في المسألة الاجتهادية أي فيما يسوغ فيه الاجتهاد مصيب عند القاضي أبي بكر والشيخ الأشعري كما قال أهل العراق وقال أهل خراسان لم يثبت عن الأشعري ونسب إلى الإمام حجة الإسلام الغزالي قدس‌سره والمزني من كبار أصحاب الشافعي رضي‌الله‌عنه وغيرهما. ولا يذهب عليك ما في هذا القول من الإشارة إلى ضعف هذه النسبة فلا تغفل.

وهؤلاء ظنّوا أن لا حكم لله تعالى في تلك الواقعات إلاّ أنه إذا وصل رأي المجتهد إلى أمر فهو الحكم عند الله تعالى ... إلى أن قال : وبعض منهم قالوا الحكم من الأزل هو ما أدى إليه رأي المجتهد وعليه الجبائي من المعتزلة ونسبته إلى جميع المعتزلة لم تصح ، كيف والحسن أو القبح عندهم في مرتبة الذات فما فيه حسن واقعي هو الواجب لا يمكن أن يكون محرماً وما فيه القبح الواقعي فهو محرم لا غير ولا ينقلب الحسن والقبح الذاتيان ، وإذا كان كل مجتهد مصيباً فالحق عندهم متعدد فعلى كل من أدى اجتهاده إلى حكم فهو الحكم ، وإذا أدى رأي آخر إلى آخر فهو الحكم عليه ...

۳۷۹