اعتبار أيّ معتبر وفرض فارض ، وقد أطبقت كلماتهم (١) على أن العقل قد يصيبها في إدراكه وقد يخطأ بلا فرق في ذلك بين أن يكون الأمر الواقعي من قبيل الجواهر والأعراض كأكثر الموجودات الخارجية وأن يكون من غيرهما ، لأنّا بيّنا في محلّه أن الأُمور الواقعية قد تكون موجودة في الخارج كالذوات الجوهرية والعرضية ، وقد تكون ثابتة لا موجودة ، وهذا كما في الاستحالة والإمكان وغيرهما من الأُمور العقلية ، حيث إن استحالة اجتماع الضدين أو النقيضين ثابتة في الواقع ونفس الأمر من غير أن يتوقف على الاعتبار ، إلاّ أنها ليست موجودة في الخارج كالجواهر والأعراض.

وكيف كان لا سبيل إلى القول بالتصويب في تلك الأُمور ، لأنه يستلزم اجتماع الضدين أو النقيضين ، فإنه إذا بنى أحد على إمكان إعادة المعدوم مثلاً وبنى آخر على استحالتها لا مناص من أن يكون أحد هذين النظرين خطأً وغير مطابق للواقع ، إذ لازم إصابتهما في كلتا النظرتين أن يكون إعادة المعدوم ممكنة ومستحيلة ، وهذا ما ذكرناه من لزوم اجتماع الضدين أو النقيضين المحال فالتخطئة في تلك الأُمور مما لا كلام فيه.

وإنما الكلام في الأُمور الاعتبارية والشرعيات ، وأنها كالامور الواقعية مورد للتخطئة أو لا بدّ فيها من الالتزام بالتصويب؟

نسب القول بالتصويب إلى جماعة من الأشاعرة والمعتزلة (٢) وأنهم ذهبوا إلى أن‌

__________________

(١) نعم ، ذهب عبد الله بن الحسن العنبري إلى أن كل مجتهد مصيب في العقليات كما في الفروع. كذا في المستصفى ج ٢ ص ٣٥٨ وكتاب الإحكام في أُصول الأحكام ( للآمدي ) ج ٤ ص ٢٣٩.

(٢) ففي كتاب الإحكام في أصول الأحكام ( لابن حزم الأندلسي الظاهري ) ج ٥ ص ٧٠ : ذهبت طائفة إلى أن كل مجتهد مصيب وأن كل مفت محق في فتياه على تضاده.

وفي الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج ٤ ص ٢٤٦ : المسألة الظنية من الفقهيات إما أن يكون فيها نص أو لا يكون ، فإن لم يكن فيها نص فقد اختلفوا فيها فقال قوم : كل مجتهد فيها مصيب وأن حكم الله فيها لا يكون واحداً بل هو تابع لظن المجتهد فحكم الله في حق كل مجتهد ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه وهو قول القاضي أبي بكر وأبي الهذيل والجبائي وابنه. وقال

۳۷۹