وهي الّتي تحكي عنها الأمارات ، إلاّ أن قيام الأمارة سبب لحدوث مصلحة فيما أدّت إليه أقوى مما فيه من المصلحة الواقعية ، ولذا يكون الحكم الفعلي المجعول على طبق الأمارة ومؤداها دون الواقع ، لأن الأحكام الواقعية ليست بفعلية بل هي صورية وإنشائية ، ولا تتصف بالفعلية إلاّ فيما إذا أدّت الأمارة إليها فمن لم يقم عنده أمارة على الحكم لم يكن حكم فعلي في حقّه. وهذا هو المعبّر عنه بالتصويب المعتزلي ، وهو وإن كان أمراً معقولاً في نفسه فإنه لا مانع من أن تكون الأحكام الواقعية إنشائية تتوقف فعليتها على قيام الأمارة على طبقها ، وأن تكون مختصة بالعالمين بها دون الجاهلين نظير اختصاص بعض الأحكام ببعض المكلفين دون بعض كأحكام النساء المختصة بهنّ دون الرجال.

إلاّ أن الإجماع قد انعقد على أن الأمارة لا تكون مغيّرة للواقع ولا تمسّ كرامته بوجه ، بل ادّعى شيخنا الأنصاري قدس‌سره أن وجود الحكم المشترك بين الجاهل والعالم ممّا تواترت عليه الأخبار والآثار (١) ومعه لا يبقى مجال لتوهم اختصاص الأحكام بالعالمين بها ، بل هي تعمّهم والجاهلين فحالها حال بقية الأُمور الواقعية الّتي قد تصاب وقد تخطأ.

على أن ذلك هو الّذي تقتضيه إطلاقات الأدلة في نفسها ، كما دلّ على حرمة الخمر ونجاستها أو على مملّكية شي‌ء أو سببيّته للضمان أو غير ذلك من الأحكام ، لأن مقتضى إطلاقها عدم اختصاص مداليلها بالعالمين ، وأن الخمر محرّمة وموت المورّث سبب لملكية الوارث ، علم بهما أم لم يعلم ، قام هناك طريق على الخلاف أم لم يقم هذا.

وقد يتوهّم أن تعميم الأحكام للجاهلين لازمه اجتماع حكمين متضادين على موضوع واحد وهو مستحيل ، وذلك لأن مقتضى إطلاق الدليل لو كان ثبوت الحكم الواقعي حتى على الجاهلين ، فالجاهل محكوم بذلك الحكم الواقعي لا محالة ، كما أنه‌

__________________

(١) لعلّه قدس‌سره ينظر بذلك إلى الأخبار الآمرة بالتوقف أو الاحتياط أو غيرها مما يدلنا بالدلالة الالتزامية على أن الأحكام الواقعية مشتركة بين العالمين والجاهلين وإلاّ فلم ترد على ذلك رواية واحدة فيما عثرنا عليه فضلاً عن أن تكون متواترة.

۳۷۹