أما أوّلاً : فلأن ظاهر قوله عليه‌السلام أن تعرفوه بعد قول السائل : بم تعرف عدالة الرجل؟ أنه إنما سأل عمّا يعرف ويستكشف به العدالة لا أنه عليه‌السلام سأل عن حقيقتها وماهيتها ، فإن المعرّف المنطقي اصطلاح حديث بين المنطقيين ، ومن البعيد أن يكون مراد السائل بقوله : بم تعرف. هو السؤال عن حقيقة العدالة وأن معرّفها على اصطلاح المنطقيين أي شي‌ء؟ فإن وزانه وزان قولنا : بم يعرف الشي‌ء الكذائي أو الشخص المعيّن ، فإن المراد بمثله في المحاورات العرفية الدارجة هو السؤال عمّا ينكشف به الشي‌ء وما يدل عليه ، لا السؤال عن حدّه ورسمه. إذن حمل الجملة المذكورة على المعرّف المنطقي بعيد.

وأما ثانياً : فلأنه لم يذكر في الجواب أن العدالة هي الستر والعفاف ، وإنما قال عليه‌السلام « أن تعرفوه بالستر والعفاف » فقد جعل المعرّف اشتهار الرجل ومعروفيته بهما لا نفس الستر والعفاف ، ومن البديهي أن الاشتهار والمعروفية بهما ليسا بحقيقة العدالة وإنما حقيقتها لو كانت الجملة معرّفاً منطقياً هو الستر والعفاف لا المعروفية بهما كما لا يخفى.

وعلى الجملة أن ما ادعيناه من أن المعرّف ظاهر في المعرّف الأُصولي ليس لأن السؤال راجع إلى المعرّف بظاهره فحسب ، ليتوهّم أن ذلك غير مانع من أن يجيب عليه‌السلام أولاً ببيان حقيقة العدالة تفضلاً لمكان جهل السائل بحقيقتها ، وثانياً ببيان الطريق إلى معرفتها بقوله : والدلالة على ذلك ... بل هو مستند إليه وإلى ظهور نفس الجواب في ذلك بالتقريب المتقدم ، فلاحظ فإن المعروفية والاشتهار بالستر والعفاف ليسا بحقيقة العدالة كما مرّ.

كما أن ما ادعوه من أنه من الصفات النفسانية إنما هو نفس العفاف والستر وأما المعروفية بهما فلم يتوهّم أحد كونها من الصفات النفسانية أبداً.

وعلى الجملة أن الجملة المذكورة معرّف أُصولي لغوي وليست معرّفاً منطقياً بوجه ، كما أنه المراد بقوله عليه‌السلام : « والدلالة على ذلك ... » بمعنى أنه من المعرّف اللغوي لا المنطقي فإن المراد بالدلالة هو ما ينكشف به اجتناب الكبائر ، ولا يحتمل أن يراد بها المعرّف المنطقي بأن يكون اجتناب الكبائر عين كونه ساتراً لجميع عيوبه‌

۳۷۹