لوضوح المغايرة والاثنينية بين الدال والمدلول.

وأما المقدمة الثانية : فلما بيّناه في الوجه السابق من أن العفاف هو الامتناع عمّا لا يحل ، وهو من الأفعال الخارجية لا النفسانية فضلاً عن أن تكون من الصفات النفسانية ، فإن العفيف من لم يرتكب الحرام في الخارج. نعم ، ذكر علماء الأخلاق أن العفة من صفات النفس إلاّ أنه اصطلاح مستحدث بينهم ، ولا يمكننا حمل العفاف الوارد في كلمات الأئمة عليهم‌السلام عليه. نعم ، العفاف أعني ترك ما لا يحل ، فعل من الأفعال الاختيارية ، ومن الظاهر أن الفعل الاختياري له مبادئ من الأُمور النفسانية حتى مثل الأكل والشرب وغيرهما من الأفعال المتعارفة ، إلاّ أن ذلك غير مسوّغ للقول بأن تلك الأفعال الّتي منها الأكل ونحوه ، من الصفات النفسانية كما هو ظاهر.

وأما الستر فهو أيضاً كما مرّ بمعنى التغطية وهي كناية عن عدم ارتكاب المحرمات فكان بينه وبينها حاجزاً وغطاء ، فمعنى كونه ساتراً أنه مغطى ومجتنب عن المحرمات ولعلّه بهذا الاعتبار يُدعى الله سبحانه بالستّار لدفع البلية والهلكة. فإن معناه : يا من يكون حاجزاً بيننا وبين البلية ، ادفع عنّا البلاء بسترك وحجزك. وكيف كان فهو أيضاً من الأفعال الخارجية.

وأما كف البطن واليد والفرج وغيرها من الأفعال المذكورة في الرواية فكونها من الأفعال الخارجية دون الأفعال النفسية فضلاً عن صفاتها ، أمر ظاهر لا خفاء فيه.

ثمّ إن بما بيّناه في المقام اندفع ما ذكره شيخنا الأنصاري قدس‌سره من أن قوله عليه‌السلام « أن تعرفوه بالستر والعفاف » معرّف منطقي للعدالة ، وبيان لماهيتها وحقيقتها وذكر في وجهه : أن الستر والعفاف والكف قد وقع مجموعها المشتمل على الصفة النفسانية معرّفاً للعدالة ، فلا يجوز أن يكون أخص منها بل لا بدّ من مساواته. وقد يكون أعم إذا كان من المعرّفات الجعلية كما جعل عليه‌السلام في هذه الصحيحة الدليل على هذه الأُمور كون الشخص ساتراً لعيوبه.

ودعوى : أن ظاهر السؤال وقوعه من الأمارة المعرّفة للعدالة بعد معرفة مفهومها تفصيلاً ، والصفات المذكورة ليست أمارة ، بل هي على هذا القول عينها فيدور الأمر‌

۳۷۹