لا مناص من أن تكون الحجية أمراً موجباً للقلب والتصرف فيما هو الموضوع للقاعدتين ، وليس ذلك إلاّ الطريقية والكاشفية فإن بهما ينقلب موضوع عدم البيان إلى البيان ويتبدل احتمال الضرر إلى العلم بعدمه ، ولو لا ذلك كان الالتزام بالتنجيز في الصورة الأُولى والتعذير في الثانية تخصيصاً في الحكمين العقليين وهما غير قابلين للتخصيص كما مرّ ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

فتحصّل : أن الالتزام بما سلكه قدس‌سره مما لا مسوّغ له إلاّ أنه على تقدير القول به لا وجه للمناقشة في جواز تقليد المجتهد بما قدّمنا تقريبه. وهذا لا لما أفاده صاحب الكفاية قدس‌سره من تسليم عدم صدق العالم أو الفقيه على المجتهد عندئذٍ وأنه إنما يجوز تقليده لكونه عالماً بموارد قيام الحجة ، وذلك لأنه تمحل في الجواب حيث إن الدليل إنما دلّ على جواز تقليد الفقيه أو العالم بالأحكام أو غيرهما من العناوين الواردة في لسان الدليل ، فإذا سلّمنا أن المجتهد لا يصدق عليه شي‌ء من تلك العناوين المسوّغة للتقليد لم يمكننا الحكم بجواز تقليده وإن فرضناه عالماً بغير الأحكام الشرعية من الأُمور.

بل من أجل أن المجتهد على هذا المسلك أيضاً يصدق عليه الفقيه والعالم وسرّه أن مفهوم الفقيه غير مقيّد بخصوص العلم بالأحكام الواقعية أو الظاهرية ، بل إنما هو أعم منهما والعلم بقيام الحجة على الأحكام ، وإن فسّرنا الحجية بمعنى المنجّزية والمعذّرية ويدلنا على ذلك أن الأخبار المتقدمة في محلّها قد دلتنا على إرجاع الأئمة عليهم‌السلام شيعتهم إلى آحاد الرواة وكبراء أصحابهم كيونس بن عبد الرحمن وزكريا بن آدم وغيرهما ، ولا شبهة في أنه بناء على هذا المسلك وتخصيص الفقيه بخصوص العالم بالأحكام لا يصدق عليهم الفقيه ولا العالم لعدم علمهم بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية ، وإنما كانوا يعلمون موارد قيام الحجة على الأحكام الشرعية ، فإن أصحابهم عليهم‌السلام لو سلّمنا علمهم بصدور الأخبار عنهم عليهم‌السلام بأن كان السند قطعياً في حقهم ، لاستماعهم الرواية من نفس الإمام عليه‌السلام فلا نسلّم كون دلالتها أيضاً قطعية لهم ، لأنها تستند إلى حجية الظهور وهي بمعنى المنجّزية والمعذّرية على الفرض ، وحيث أن النتيجة تتبع أخسّ المقدمتين فنستنتج من ذلك‌

۳۷۹