تترتب على الشي‌ء بعنوانه الاولى ويعبّر عنها بالأحكام الواقعية. وقد تترتب على الشي‌ء بعنوانه الثانوي ، ويعبّر عنها بالأحكام الظاهرية. إذن قوله عزّ من قائل ﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ... يشمل تحصيل العلم بحكم الشك كما يشمل العلم بأحكام سائر الموضوعات الخارجية.

وقد يقال : إن ما ذكرتموه إنما يتم في مثل أصالتي الإباحة والبراءة وغيرهما مما يكون فيه الموضوع هو الشك ، لأن العامّي حيث إنه جاهل وشاك في حرمة شي‌ء وإباحته ، فله أن يرجع في حكم شكّه هذا إلى المجتهد لأنه عالم بحكم ذلك الموضوع الّذي هو الشك ، من حرمة أو جواز ولا يتم في الاستصحاب لأن موضوعه ليس هو الشك الساذج بل اليقين السابق والشك اللاّحق ، وليس للعامّي يقين سابق وشك لاحق وإنما ذلك للمجتهد فحسب ، ومع أن العامّي ليس بمورد للاستصحاب لعدم تحقق موضوعه في حقه ما معنى رجوعه إلى المجتهد في حكمه ، مثلاً إذا شكّ العامّي في حرمة وطء زوجته بعد انقطاع دمها وقبل الاغتسال لم يكن له يقين سابق بحكم كما ليس له شك لاحق بوجه ، وإنما هما للمجتهد كما عرفت.

وهذه المناقشة قد تعرضنا لها في محلّها (١) وأجبنا عنها بما حاصله : أن الاستصحاب هو الجري على طبق الحالة السابقة ، والجري أعم من الإفتاء والعمل لعدم اختصاصه بالجري العملي ، فإذا كان للمجتهد يقين سابق بحرمة الوطء في المثال وشك في زوالها بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال ، فله الجري على طبق الحالة السابقة بحسب الحكم والفتوى بأن يفتي بحرمة الوطء في المقام بناء على جريانه في الشبهات الحكمية وإلاّ فلا استصحاب كي يناقش في جريانه وإن فرضنا أن العامّي لغفلته وعدم التفاته لم يكن له يقين سابق ولا شك لاحق ، فإن الفتوى إذا صدرت من أهلها فللعامّي أن يرجع إليها في أعماله ، لأنه من رجوع الجاهل إلى الفقيه ، فالاستصحاب محقق للإفتاء الّذي هو المورد لرجوع العامّي إلى الفقيه ، لا أن العامّي يرجع إلى المجتهد في حكم الاستصحاب ليرد أن موضوعه غير متحقق في حق العامّي كما مرّ.

وأما القسم العقلي من الأُصول فهو أمران : فإن العقل إما أن يستقل بقبح العقاب‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٧.

۳۷۹