وقد يستدل عليه برواية الاحتجاج المروية عن التفسير المنسوب إلى العسكري عليه‌السلام حيث ورد فيها : « فأما من كان الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه ... » (١).

ويدفعه أوّلاً : أن الرواية ضعيفة السند ، لأن التفسير المنسوب إلى العسكري عليه‌السلام لم يثبت بطريق قابل للاعتماد عليه فإن في طريقه جملة من المجاهيل كمحمّد بن القاسم الأسترآبادي ، ويوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيار فليلاحظ هذا إذا أُريد بالتفسير المنسوب إلى العسكري عليه‌السلام هو الّذي ذكره الصدوق قدس‌سره بإسناده عن محمد بن القاسم الأسترآبادي ، والظاهر أنه مجلّد واحد كما لا يخفى على من لاحظ التفسير الموجود بأيدينا اليوم. وأما لو أُريد به هو الّذي ذكره محمّد بن علي بن شهرآشوب على ما نقله في المستدرك فالسند إليه صحيح لأنه ذكر الحسن بن الخالد البرقي أخو محمد بن خالد من كتبه تفسير العسكري من إملاء الإمام عليه‌السلام والحسن بن خالد ممن وثقه النجاشي (٢) وللمشايخ إليه طرق صحيحة إلاّ أن الظاهر أنه غير التفسير الّذي ذكره الصدوق بإسناده عن محمد بن القاسم الأسترآبادي ، لأنه نقل أن التفسير الّذي عدّ من كتب البرقي مائة وعشرون مجلداً ، وهذا لم يصل إلينا أبداً وإنما الموجود بأيدينا مجلّد واحد يتطابق لما نقله الصدوق قدس‌سره.

وثانياً : أن الرواية إنما وردت لبيان ما هو الفارق بين عوامنا وعوام اليهود في تقليدهم علمائهم ، نظراً إلى أن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح وأكل الحرام والرشاء وتغيير الأحكام ، والتفتوا إلى أن من فعل ذلك فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على الله ، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، ومع هذا قلّدوا علماءهم واتبعوا آراءهم ، فلذلك ذمهم الله سبحانه بقوله عزّ من قائل ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ حيث فسّر في نفس الرواية بقوم من اليهود. ثمّ بيّن عليه‌السلام أن عوامنا أيضاً كذلك إذا عرفوا من علمائهم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣١ / أبواب صفات القاضي ب ١٠ ح ٢٠.

(٢) رجال النجاشي : ٦١ / ١٣٩.

۳۷۹