من المبادئ والعلوم كالنحو والصرف وغيرهما ، والعمدة علم الأُصول فبعدما تعلّمها الإنسان تحصل له ملكة الاستنباط وإن لم يتصدّ للاستنباط ولا في حكم واحد ، إذن العمل أي الاستنباط متأخر عن الملكة ، فلا وجه لما قد يتوهم من أنها كسائر الملكات غير منفكة عن العمل والاستنباط ، فمن حصلت له الملكة فلا محالة اشتغل بالاستنباط ، وعليه فبمجرّد حصول الملكة له يحصل له الأمن عن العقاب. بل الاستنباط كما عرفت متأخر عن الملكة من غير أن يكون له دخل في حصولها. نعم تتقوى الملكة بالممارسة والاستنباط بعد تحققها في نفسها لا أنها تتوقف عليه في الوجود.

إذن الاجتهاد بمعنى الملكة لا يترتب عليه الأمن من العقاب ولا يكون عِدلاً للتقليد والاحتياط.

فالصحيح أن يعرّف الاجتهاد بتحصيل الحجة على الحكم الشرعي ، وهو بهذا المعنى سليم عن كلتا المناقشتين المتقدمتين.

بقي شي‌ء : وهو أن المجتهد بمعنى من له الملكة قبل أن يستنبط شيئاً من الأحكام هل يجوز تقليده؟ وهل يحرم عليه تقليد الغير؟ وهل يترتب عليه غير ذلك من الأحكام المترتبة على الاجتهاد ، أو أنها مختصة بالمجتهد الّذي تصدى لتحصيل الحجة على الأحكام أعني المستنبط بالفعل ، ولا يعمّ من له الملكة إذا لم يتصدّ للاستنباط خارجاً؟ ولكنه بحث خارج عن محل الكلام ، لأن البحث إنما هو في الاجتهاد الّذي هو عديل التقليد والاحتياط وهو من أطراف الواجب التخييري. وأما أن الأحكام المتقدمة تترتب على من له ملكة الاستنباط أو لا تترتب فيأتي عليه الكلام في البحث عن شرائط المقلد إن شاء الله.

ثمّ إن التعريف الّذي قدّمناه للاجتهاد مضافاً إلى أنه سليم عن المناقشتين المتقدمتين ، يمكن أن تقع به المصالحة بين الأخباريين والأُصوليين ، وذلك لأن الفريقين يعترفان بلزوم تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية ولا استيحاش للأخباريين عن الاجتهاد بهذا المعنى ، وإنما أنكروا جواز العمل بالاجتهاد المفسّر باستفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي ، والحق معهم لأن الاجتهاد بذلك المعنى بدعة ولا يجوز العمل على‌

۳۷۹