طبقه ، إذ لا عبرة بالظن في الشريعة المقدسة ، بل قد نهى الله سبحانه عن اتّباعه في الكتاب العزيز وقال عزّ من قائل ﴿ وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (١) وقال ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ... (٢) إلى غير ذلك من الآيات.

وأمّا تحصيل الحجّة على الأحكام فهو مما لا بدّ منه عند كل من اعترف بالشرع والشريعة ، لبداهة أن الأحكام الشرعية ليست من الأُمور البديهية الّتي لا يحتاج إثباتها إلى دليل. نعم ، قد يقع الخلاف في بعض المصاديق والصغريات ، مثلاً لا يرى الأُصولي شيئاً حجة وهو حجة عند المحدّثين ، أو بالعكس إلاّ أنه غير مضرّ بالاتفاق على كبرى لزوم تحصيل الحجة على الحكم ، كيف فإنه قد وقع نظيره بين كل من الطائفتين ، فترى أن المحدّث الأسترآبادي يرى عدم حجية الاستصحاب في الأحكام الكلّية إلاّ في استصحاب عدم النسخ (٣) ويرى غيره خلافه ، هذا كلّه في الاجتهاد.

وكذلك الحال في التقليد ، إذ لا موقع لاستيحاش المحدّثين منه لأنه على ما فسّرنا الاجتهاد به من الأُمور الضرورية والمرتكزة عند العقلاء ، حيث إن من لا يتمكن من تحصيل الحجة على الحكم الشرعي أو أنه تمكن ولكنه لم يتصد لتحصيلها جاهل به كما أن من حصّلها عالم بالحكم ، وجواز رجوع الجاهل إلى العالم من الضروريات الّتي لم يختلف فيها اثنان ، وهو أمر مرتكز في الأذهان وثابت ببناء العقلاء في جميع الأعصار والأزمان.

والمتحصل إلى هنا : أن الاجتهاد بمعنى تحصيل الظن بالحكم الشرعي كما يراه المحدّثون بدعة وضلال ، إلاّ أن الأُصوليين لا يريدون إثباته وتجويزه ولا يدّعون وجوبه ولا جوازه بوجه ، بناءً على عدم تمامية مقدمات الانسداد كما هو الصحيح وأمّا الاجتهاد بمعنى تحصيل الحجة على الحكم الشرعي فهو أمر لا يسع المحدّث إنكاره وهو الّذي يرى الأُصولي وجوبه. فما أنكره المحدّثون لا يثبته الأُصوليون كما أن ما‌

__________________

(١) يونس ١٠ : ٣٦.

(٢) الحجرات ٤٩ : ١٢.

(٣) الفوائد المدنية : ١٤١ ١٤٣.

۳۷۹