له الحجية شرعاً سواء أكان هو الظن أو غيره ، فتفسير الاجتهاد بذلك مما لا تلتزم به الإمامية بتاتاً. بل يمكن المناقشة فيه حتّى على مسلك العامة لأن الدليل في الأحكام الشرعية عندهم غير منحصر بالظن فهو تفسير بالأخص. وعليه فهذا التعريف ساقط عند كلتا الطائفتين.

ومن هنا فسّره المتأخرون من أصحابنا بأنه ملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام الشرعية. وتعريف الاجتهاد بذلك وإن لم ترد عليه المناقشة المتقدمة ، إلاّ أن الاجتهاد بهذا المعنى ليس من أطراف الوجوب التخييري الثابت للاجتهاد والتقليد والاحتياط ، وذلك لأن الأحكام الواقعية على ما بيّناه سابقاً قد تنجّزت بالعلم الإجمالي أو بالاحتمال ولأجله قد استقل العقل بلزوم تحصيل العلم بالفراغ ، وهو لا يتحصل إلاّ بالاحتياط أو بتحصيل العلم بالأحكام من دون متابعة الغير كما في الاجتهاد ، أو بمتابعته كما في التقليد ، حيث إن المكلف بتركه تلك الطرق يحتمل العقاب في كل ما يفعله ويتركه لاحتمال حرمته أو وجوبه ، والعقل مستقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب ، ومن البديهي أن المجتهد أعني من له ملكة الاستنباط من غير أن يستنبط ويتصدى لتحصيل الحجة ولا في حكم واحد ، كغيره يحتمل العقاب في كل من أفعاله وتروكه ، ومعه لا بدّ له أيضاً إما أن يكون مجتهداً أو مقلداً أو يحتاط.

وبهذا ينكشف أن الاجتهاد الّذي يعدّ عِدلاً للتقليد والاحتياط ليس هو بمعنى الملكة ، وإنما معناه : تحصيل الحجة على الحكم الشرعي بالفعل ، أعني العمل والاستنباط الخارجيين لأنه المؤمّن من العقاب ولا أثر في ذلك للملكة ، وتوضيحه :

أن ملكة الاجتهاد غير ملكة السخاوة والشجاعة ونحوهما من الملكات ، إذ الملكة في مثلهما إنما تتحقق بالعمل وبالمزاولة كدخول المخاوف والتصدي للمهالك ، فإن بذلك يضعف الخوف متدرّجاً ويزول شيئاً فشيئاً حتى لا يخاف صاحبه من الحروب العظيمة وغيرها من الأُمور المهام ، فترى أنه يدخل الأمر الخطير كما يدخل داره. وكذلك الحال في ملكة السخاوة فإن بالإعطاء متدرّجاً قد يصل الإنسان مرتبة يقدّم غيره على نفسه ، فيبقى جائعاً ويطعم ما بيده لغيره. والمتحصل أن العمل في أمثال تلك الملكات متقدم على الملكة ، وهذا بخلاف ملكة الاجتهاد لأنها إنما تتوقف على جملة‌

۳۷۹