إذا عرفت ما ذكرناه ، فاعلم : أنّ الكلام في أحكام التعارض يقع في مقامين ؛ لأنّ المتعارضين :
إمّا أن يكون لأحدهما مرجّح على الآخر.
وإمّا أن لا يكون ، بل يكونان متعادلين متكافئين.
قاعدة «الجمع مهما أمكن أولى من الطرح»
وقبل الشروع في بيان حكمهما لا بدّ من الكلام في القضيّة المشهورة ، وهي : أنّ الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح (١).
والمراد بالطرح ـ على الظاهر المصرّح به في كلام بعضهم (٢) ، وفي معقد إجماع بعض آخر (٣) ـ أعمّ من طرح أحدهما لمرجّح في الآخر ، فيكون الجمع مع التعادل أولى من التخيير ، ومع وجود المرجّح أولى من الترجيح.
كلام ابن أبي جمهور الأحسائيّ في عوالي اللآلي
قال الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائيّ في عوالي اللآلي ـ على ما حكي عنه ـ :
إنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك : أوّلا البحث عن معناهما وكيفيّة دلالة ألفاظهما ، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات ، فاحرص عليه واجتهد في تحصيله ؛ فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء. فإذا لم تتمكّن من ذلك ولم يظهر (٤) لك وجهه ، فارجع إلى
__________________
(١) انظر الفصول : ٤٤٠ ، ومناهج الأحكام : ٣١٢ ، بل ادّعى عليها الإجماع في عوالي اللآلي كما سيأتي بعد سطور.
(٢) مثل صاحبي الفصول والمناهج.
(٣) هو ابن أبي جمهور ، كما سيأتي.
(٤) في المصدر : «أو لم يظهر».