ما ذهب إليه من عدم اشتراط الموافقة في الحمل على التقيّة ـ بل المحدّث المذكور لمّا أثبت في المقدّمة الاولى من مقدّمات الحدائق خلوّ الأخبار عن الأخبار المكذوبة ـ لتنقيحها وتصحيحها في الأزمنة المتأخّرة ، بعد أن كانت مغشوشة مدسوسة ـ صحّ لقائل أن يقول : فما بال هذه الأخبار المتعارضة التي لا تكاد تجتمع؟! فبيّن في المقدّمة الثانية دفع هذا السؤال ، بأنّ معظم الاختلاف من جهة اختلاف كلمات الأئمة عليهمالسلام مع المخاطبين ، وأنّ الاختلاف إنّما هو منهم عليهمالسلام ، واستشهد على ذلك بأخبار زعمها دالّة على أنّ التقيّة كما تحصل ببيان ما يوافق العامّة ، كذلك تحصل بمجرّد إلقاء الخلاف بين الشيعة ؛ كيلا يعرفوا فيؤخذ برقابهم (١).
المناقشة فيما أفاده المحدّث البحراني
وهذا الكلام ضعيف ؛ لأنّ الغالب اندفاع الخوف بإظهار الموافقة مع الأعداء ، وأمّا الاندفاع بمجرّد رؤية (٢) الشيعة مختلفين مع اتّفاقهم على مخالفتهم ، فهو وإن أمكن حصوله أحيانا ، لكنّه نادر جدّا ، فلا يصار إليه في جلّ الأخبار المتخالفة (٣) ، مضافا إلى مخالفته لظاهر قوله عليهالسلام في الرواية المتقدّمة (٤) : «ما سمعت منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه».
فالذي يقتضيه النظر ـ على تقدير القطع بصدور جميع الأخبار
__________________
(١) الحدائق ١ : ٥ ـ ٨.
(٢) في (ظ) بدل «رؤية» : «رواية».
(٣) في غير (ظ) : «المختلفة».
(٤) تقدّمت في الصفحة ١٢٣.