لما تضمّنه أحدهما ، كان ذلك وجها يقتضي ترجيح ذلك الخبر. ويمكن أن يحتجّ لذلك : بأنّ الحقّ في أحد الخبرين ، فلا يمكن العمل بهما ولا طرحهما ، فتعيّن العمل بأحدهما ، وإذا كان التقدير تقدير التعارض ، فلا بدّ في العمل بأحدهما من مرجّح ، والقياس يصلح أن يكون مرجّحا ؛ لحصول الظنّ به ، فتعيّن العمل بما طابقه.
لا يقال : أجمعنا على أنّ القياس مطروح في الشريعة.
لأنّا نقول : بمعنى أنّه ليس بدليل ، لا بمعنى أنّه لا يكون مرجّحا لأحد الخبرين ؛ وهذا لأنّ فائدة كونه مرجّحا كونه رافعا للعمل بالخبر المرجوح ، فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض ، فيكون العمل به ، لا بذلك القياس. وفيه نظر (١) ، انتهى.
ومال إلى ذلك بعض سادة مشايخنا المعاصرين (٢).
والحقّ خلافه ؛ لأنّ رفع الخبر المرجوح بالقياس عمل به حقيقة ، كرفع العمل بالخبر السليم عن المعارض به (٣) ، والرجوع معه إلى الاصول. وأيّ فرق بين رفع القياس لوجوب العمل بالخبر السليم عن المعارض وجعله كالمعدوم حتّى يرجع إلى الأصل ، وبين رفعه لجواز العمل بالخبر المكافئ (٤) لخبر آخر وجعله كالمعدوم حتّى يتعيّن العمل بالخبر الآخر؟!
__________________
(١) المعارج : ١٨٦ ـ ١٨٧.
(٢) هو السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٧١٦.
(٣) «به» من (ص).
(٤) في غير (ص) : «للتكافؤ».