محل فيُفني الجواهر كلها حال حدوثه ، ثمّ اختلفوا فذهب أبو هاشم وقاضي القضاة إلى أن الفناء الواحد كاف في عدم كل الجواهر ، وذهب أبو علي وأصحابه إلى أن لكل جوهر فناءً مضادّاً له لا يكفي ذلك الفناء في عدم غيره.

فإذا عرفت هذا فنقول : القول بالفناء على كل تقدير فرضوه باطل ، لأنّ الفناء إن قام بذاته كان جوهراً إذ معنى الجوهر ذلك فلا يكون ضداً للجوهر ، وإن كان غير قائم بذاته كان عرضاً إذ هو معناه فيكون حالاً في الجوهر إما ابتداء أو بواسطة ، وعلى كلا التقديرين فيستحيل أن يكون منافياً للجواهر.

قال : ولانتفاءِ الأولوية (١).

أقول : يفهم من هذا الكلام أمران :

أحدهما : إقامة دليل ثان على امتناع قيام الفناء بالجوهر ، وتقريره أن نقول : لو كان الفناء قائماً بالجوهر لكان عرضاً حالاً فيه ولم يكن اقتضاؤه لنفي محله أولى من اقتضاء محله لنفيه بل كان انتفاء هذا الحالّ بالمحل أولى إذ منع الضد دخول الضد الآخر في الوجود مع إمكان إعدامه له اولى من إعدام المتجدد للضد الباقي وبالخصوص إذا كان محلاً له.

__________________

(١) اعلم أنّ الماتن استمدّ في هذا الدليل من البرهان السابق للكرامية والجاحظ القائلين بامتناع العدم للعالم ، وقد شرحنا برهانهم ، وخلاصة الدليل : أنّ الفناء لو كان عرضاً حالاً ، فانتفاء الحال بالمحل أولى من انتفاء المحلّ بالحالّ، إذ منع دخول الضد الآخر في الوجود مع إمكان إعدامه أولى من إعدام المتجدِّد للضد الباقي ، لأنّ الأول بعدُ لم يُوجد ، فصدّ باب تحققه أسهلُ من إعدام الموجود ، وإن كان جوهراً فانتفاء الجوهر الثاني (الفناء) بالجوهر الأوّل أولى ، بمعنى منعه في الدخول في الوجود بمثل البيان السابق.

۳۰۸۱