وعن شبهة الجُبّائيين : أنّ العدم إنّما يحصل إذا لم يوجد داع لقادر آخر إلى إيجاده(١).
المسألة الثانية : في أنّه تعالى عالم
قال : والإحكامُ والتجردُ واستنادُ كل شيء إليه دلائلُ العلم.
أقول : لما فرغ من بيان كونه تعالى قادراً وكيفية قدرته شرع في بيان كونه تعالى عالماً وكيفية علمه.
واستدل على كونه تعالى عالماً بوجوه ثلاثة : الأوّل منها للمتكلمين والأخيران للحكماء.
__________________
(١) إذا كان المفروض في كلامهما هو ما جاء في الشرح من أنّ الله يريد الإحداث ، والعبد لا يريده ، فالجواب هو ما جاء هنا ، وهو أنّه يقع الفعل دون العدم ، إذ العدم رهن عدم الداعي إلى الفعل ، فلو كان هناك داع إلى الفعل يقع الفعل وتؤثر إرادة الله ، وليس في ناحية العبد داع ولا إرادة حتى يكون هناك تعارض.
وبعبارة أُخرى : إذا كان المفروض في كلام الجبائيين أنّ أحد الفاعلين يريد الفعل دون الآخر ، فالجواب هو ما جاء في كلام الشارح ، فيتحقّق مراد من يريد دون من لا يريد ، وإلى ذلك ينظر قوله : إنّ العدم إنّما يحصل إذا لم يوجد داع لقادر آخر إلى إيجاده.
نعم لكلامهما صور أُخر لم يذكرها الشارح ولكل حكمه ، والتفصيل موكول إلى مسألة برهان التمانع الوارد في كلام المتكلمين على توحيده ، وإجماله أنّه إذا أرادا الفعل ، أو أرادا العدم أو أراد أحدهما الفعلَ والآخر العدم ، ففي الصورتين الأُوليين لا تزاحم بين الداعيين ولا بين الإرادتين ، لكون إرادة العبد في طول إرادة الله سبحانه ، فيكون تعلّق إرادة الواجب بالتسبيب وتعلّق إرادة العبد بالمباشرة ، وأمّا عند المخالفة فلو كان زمانا الإرادتين مختلفين يتحقّق كل في ظرفه وإلّا فيتبع الواقعُ أقوى الإرادتين وهو إرادة الواجب سبحانه.