وأصحاب أبي عبد الله بن كرّام اختلفوا :
فقال محمد بن الهيصم : إنّه تعالى في جهة فوق العرش لا نهاية لها والبعد بينه وبين العرش أيضاً غير متناه.
وقال بعضهم : البعد متناه ، وقال قوم منهم : إنّه تعالى على العرش كما تقوله المجسمة!
وهذه المذاهب كلها فاسدة ، لأنّ كل ذي جهة فهو مشار إليه ومحل للأكوان الحادثة فيكون حادثاً فلا يكون واجباً.
المسألة السادسة عشرة : في أنّه تعالى ليس محلاً للحوادث
قال : وحلولِ الحوادث فيه.
أقول : وجوب الوجود ينافي حلول الحوادث في ذاته تعالى ، وهو معطوف على الزائد ، وقد خالف فيه الكرامية.
والدليل على الامتناع أن حدوث الحوادث فيه تعالى يدلّ على تغيره وانفعاله في ذاته ، وذلك ينافي الوجوب ، وأيضاً فإنّ المقتضي للحادث إن كان ذاته كان أزلياً وإن كان غيره كان الواجب مفتقراً إلى الغير وهو محال ، ولأنّه إن كان صفة كمال استحال خلو الذات عنه وإن لم يكن استحال اتصاف الذات به (١).
__________________
(١) إذا كان المقتضى لحلول الحوادث في ذاته ، هو ذاته سبحانه ، يلزم قدم الحادث وأزليته لأنّ أزلية العلّة توجب أزلية المعلول.
وإن كان المقتضي لحلول الحوادث غير ذاته ، يكون الذات مفتقراً إلى الغير الذي هو السبب لحدوث الحوادث في ذاته.