المسألة الثامنة : في انقطاع عذاب أصحاب الكبائر
قال : والكافر مخلّدٌ ، وعذابُ صاحبِ الكبيرةِ منقطعٌ لاستحقاقه الثواب بإيمانه ولقبحه عند العقلاء.
أقول : أجمع المسلمون كافة على أنّ عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع ، واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين : فالوعيدية على أنّه كذلك ، وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلى أن عذابه منقطع. وينبغي أن يعرف هنا الصغير والكبير (١) من الذنب :
أمّا الصغير فيقال على وجوه :
__________________
(١) إنّ الصغر والكبر من المفاهيم الإضافية ، فلا بد أن يضافا إلى شيء ، فوصف الذنب بالصغر إمّا بالإضافة إلى الطاعة أو معصية أُخرى أو إلى ما عند فاعلها من الثواب ، وهذه هي الوجوه التي ذكرها الشارح ، وإليك التوضيح :
قد فسّرت المعصية الصغيرة بوجوه ثلاثة :
١ ـ أن يضاف عصيان كل عمل بطاعة عمل آخر فيقال : النظر إلى المرأة الأجنبية أصغر بالنسبة إلى طاعة أمر الجهاد في سبيل الله ، بمعنى أنّ عقابه ينقص في كل وقت عن ثواب الجهاد في سبيل الله ، ويشترط أن تكون القضية مطلقة صادقة في جميع الأوقات. خرج بهذا القيد إضافة عصيان إلى الإنفاق في سبيل الله ، فبما أنّ الإنفاق قبل فتح مكة وبعد فتحها لا يستويان لا يمكن أن يضاف عصيان إلى الإنفاق بوجه كلّي صادق في جميع الأوقات ، وذلك لأنّه رب عصيان أصغر من ثواب الإنفاق قبل الفتح وليس كذلك إذا أضيف إلى العصيان بعده.
٢ ـ أن تضاف معصية إلى معصية أُخرى كعقاب النظر بالنسبة إلى الكذب والغيبة.
٣ ـ أن يلاحظ الفاعل من حيث ما له من الثواب في صحيفة أعماله ، فإن كان عصيان ما ارتكب أقل من الثواب الموجود فيها فيعد معصية صغيرة ، نفترض أنّ انساناً جاهد في سبيل الله طيلة أعوام ولكنه كذب مرة ، فبما أنّ الثواب الذي اكتسبه من الجهاد أكثر من العقاب المترتب على الكذب فيوصف الثاني بالصغيرة.