وأيضاً قد يمكن التخلص (١) عن الكذب في الصورة الأُولى بأن يفعل التورية أو يأتي بصورة الإخبار الكذب من غير قصد إليه. ولأن جهة الحسن هي التخلص (٢) وهي غير منفكة عنه وجهة القبح هي الكذب وهي غير منفكة عنه ، فما هو حسن لم ينقلب قبيحاً وكذا ما هو قبيح لم ينقلب حسناً.

قال : والجبرُ باطلٌ.

أقول : هذا جواب عن شبهة أُخرى لهم ، وهي أنّهم قالوا : الجبر حق فينتفي الحسن والقبح العقليان ، والملازمة ظاهرة ، وبيان صدق المقدم ما يأتي.

والجواب : الطعن في الصغرى وسيأتي البحث فيها.

المسألة الثانية : في أنّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب

قال : واستغناؤُه وعلمُه يدلّان على انتفاء القبح عن أفعاله تعالى.

أقول : اختلف الناس هنا ، فقالت المعتزلة : إنّه تعالى لا يفعل قبيحاً ولا يخلّ بواجب. ونازع الأشعرية في ذلك وأسندوا القبائح إليه ، تعالى الله عن

__________________

(١) جواب ثان يختص بالشبهة الأُولى.

(٢) هذا جوا ب ثالث ، وحاصله : أنّ هناك حسناً وهو تخليص النبي ، وقبيحاً وهو الكذب ، فعند دوران الأمر بين الأمرين يقدم أقوى ملاكاً وهو تخليص النبي فيرتكب القبيح لأجل إحراز الحسن والأقوى مصلحة.

والفرق بين الجواب الأوّل وهذا الجواب واضح ، إذ كان الأوّل مبنياً على دوران الأمر بين ارتكاب أحد القبيحين : قتل النبي والكذب فيختار الأقل قبحاً ، وهذا الجواب مبني على دوران الأمر بين الإتيان بالحسن (نجاة النبي) وارتكاب القبيح فيؤخذ بأقوى الأمرين ملاكاً وهو صيانة حياة النبي ...

۳۰۸۱