المسألة التاسعة : في جواز العفو (١)

قال : والعفُو واقعٌ لأنّه حقه تعالى فجاز إسقاطه ، ولا ضرر عليه في تركه مع ضرر النازل به فحَسُنَ اسقاطُه (٢) ولأنّه إحسانٌ.

أقول : ذهب جماعة من معتزلة بغداد إلى أن العفو جائز عقلاً (٣) غير جائز سمعاً (٤) ، وذهب البصريون إلى جوازه سمعاً ، وهو الحق.

واستدل عليه المصنف رحمه‌الله بوجوه :

الأوّل : أنّ العقاب حق لله تعالى فجاز تركه ، والمقدمتان ظاهرتان.

الثاني : أنّ العقاب ضرر بالمكلف ولا ضرر في تركه على مستحقه وكلّ ما كان كذلك كان تركه حسناً ، أمّا أنّه ضرر بالمكلف فضروري ، وأمّا عدم الضرر في تركه فقطعي لأنّه تعالى غني بذاته عن كل شيء ، وأمّا أن ترك مثل

__________________

(١) والعفو هو محو الذنب ، والمغفرة هو ستره ، وربّما يستعملان في معنى واحد.

(٢) فيه قياس مطويّ ، وهو : إسقاط العقاب حسن ، وكل حسن واقع منه ، فإسقاط العقاب واقع منه.

وكان عليه أن يُقيّده بما إذا لم يمنعه مانع كالكفر وما يليه.

(٣) هذه المسألة من شقوق القول بخلود مرتكب الكبيرة في النار ، ولأجله قالوا بعدم جوازه عقلاً وسمعاً ، أو جوازه عقلاً لا سمعاً ، والحق جوازه مطلقاً.

(٤) ناظر إلى عقيدة الوعيدية حيث لم تجوز العفو مستدلاً بقوله : ﴿ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (ق : ٢٩) ولكن الآية ناظرة إلى الكفّار الذين جحدوا رُسلَه سبحانه بشهادة ما قبلها ، قال سبحانه : ﴿أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ* الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ* قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ* قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ* ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ... (ق : ٢٤ ـ ٢٩).

۳۰۸۱