ورابعها : أنّ المجوس قالوا : إنّ القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس ، والمجبرة قالوا : إنّ القدرة موجبة للفعل غير متقدمة عليه ، فالإنسان القادر على الخير لا يقدر على ضده وبالعكس.

المسألة التاسعة : في الهدى والضلالة

قال : والإضلالُ الإشارة إلى خلاف الحق وفعلُ الضلالةِ والإهلاك ، والهُدى مقابلٌ ، والأوَّلانِ منفيّانِ عنه تعالى.

أقول : يطلق الإضلال على الإشارة (١) إلى خلاف الحق وإلْباس الحقّ

__________________

(١) حاصل ما أفاده أنّ لكل من الضلالة والهداية معانيَ ثلاثة متقابلة ، وتصحّ نسبة الهداية بمعانيها الثلاثة إلى الله سبحانه ، دون الضلالة بل تصح نسبة المعنى الثالث منها إليه تعالى. نعم : إيجاد الهداية في العباد ، مختص بغير ما كلّفوا به كالإيمان فإنّه فعل العبد ، بقرينة التكليف به خلافاً للأشاعرة حيث ذهبوا إلى أنّه يوجد الإيمان والكفر في العباد.

والذي ينبغي التنبيه عليه : أنّ إيجاد الهداية في العباد يرجع إلى إيجاد مقدماتها من الداخل كالعقل والفطرة ، والخارج كالرسل والكتب.

ثمّ إنّ حل عقد الجبر يحصل بالوقوف على أنّ لله هدايتين : عامّة لجميع الناس ، وخاصّة لبعضهم ، ومصحح العقوبة والمثوبة هو الأولى منهما ، فمن تمت الحجّة في حقه تصح عقوبته ، وإلّا فلا ، وأمّا الهداية الثانية فهي مختصة بالمستفيدين من الهداية الأولى ، وما في قوله سبحانه : ﴿فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (إبراهيم : ٤) الذي وقع ذريعة للمجبرة ليس يهدف إلى الهداية والضلالة العامتين ، كما لا يهدف إلى وجود الفوضى في أمر الهداية والضلالة لأنّه يخالف كونه حكيماً ، ولأجل نقد تلك الفكرة وصف سبحانه نفسه في آخر الآية بقوله : ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، بل هو وأمثاله ناظر إلى أنّ من لم يهتد بالهداية العامّة يضلّه ولا يوفقه بالاهتداء إلى الدرجات العليا ، وأمّا من ـ

۳۰۸۱