قال :

حكم المثلين واحد والسمع دل على امكان المُماثل

أقول : في هذا المقصد مسائل :

المسألة الأُولى : في إمكان خلق عالم آخر

واعلم أنّ إيجاب المعاد يتوقف على هذه المسألة (١) ولأجل ذلك صدّرها في أول المقصد ، وقد اختلف الناس في ذلك ، وأطبق الملّيون عليه ، وخالف فيه الأوائل واحتج المليون بالعقل والسمع :

أمّا العقل فنقول : العالم المماثل لهذا العالم ممكن الوجود لأن هذا العالم ممكن الوجود وحكم المثلين واحد ، فلمّا كان هذا العالم ممكناً وجب الحكم على الآخر بالإمكان ، وإلى هذا البرهان أشار بقوله حكم المثلين واحد.

وأمّا السمع فقوله تعالى : ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ

__________________

(١) إثبات المعاد لا يتوقف على مسألة إمكان عالم آخر ، مثل هذا العالم بعينه من الأفلاك التسعة والكرات الأربع ، بل يتوقف على إثبات مكانٍ للحشر والنشر ، والجنّة والنار ، وظاهر الكتاب الكريم أنّ العالم الثاني يتحقق بتدمير العالم الفعلي فيحدث عالم جديد. قال سبحانه : ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (الأنبياء : ١٠٤) إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على فناء الدنيا وحدوث عالم جديد ، وعلى ذلك يسقط كثير من الأدلة التي أقاموها على امتناع خلق عالم آخر ، لأنّها مبنيّة على حدوث عالم آخر في عرض هذا العالم وتشابههما في عامة الخصوصيات ، وأساس الوهم تصور امتناع الخرق والالتيام في الأفلاك التسعة الذي بنوا عليه كثيراً من المسائل العقلية المخالفة للوحي.

۳۰۸۱