قال : ولا بدّ من المناسبة وإلّا ترجح بلا مُرجِّح بالنسبة إلى المنتسبين.

أقول : لما فرغ من الاعتراضات على وجوب اللطف شرع في ذكر أحكامه ، وقد ذكر منها خمسة :

الأول : أنّه لا بدّ وأن يكون بين اللطف والملطوف فيه مناسبة.

والمراد بالمناسبة هنا كون اللطف بحيث يكون حصوله داعياً إلى حصول الملطوف فيه ، وهذا ظاهر ، لأنّه لو لا ذلك لم يكن كونه لطفاً أولى من كون غيره لطفاً ، فيلزم الترجيح من غير مرجح (١) ، ولم يكن كونه لطفاً في هذا

__________________

ـ كلاهما. وبذلك يظهر عدم صحة أمرين :

١ ـ الاستدلال بقوله سبحانه : ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً (طه : ١٣٤).

لأنّه خارج عن محط البحث ، إذ العلم بالتكليف من شرائط القدرة ، ولو لا إرسال الرسل لما وقف المكلّف على التكليف.

٢ ـ قوله : «لأنّ الذم حق مستحق على القبيح غير مختص بالمكلّف» ، وذلك لقبح ذم الجاهل بالتكليف المستند جهله إلى عدم بيان التكليف من جانب المولى.

ولعل كلام الماتن والشارح ناظر إلى المستقلات العقلية ، التي لا يتوقف العلم بالتكليف على ورود بيان من المولى ، ففيها يصح الذم دون التعذيب على تأمّل في التفكيك أيضاً إذا قلنا بالملازمة بين حكمي العقل والشرع.

(١) حاصله : أنّه إذا افترضنا أنّ الغنى والفقر كانا لطفاً في دعوة المكلّف إلى الصلاة ، فلو اختار سبحانه الأوّل يلزم الترجيح بلا مرجح.

ثمّ إذا لم تكن المناسبة معتبرة فلما ذا صار الغنى لطفاً في حق هذا الفعل (الصلاة) ولم يكن لطفاً في حق الفعل الآخر (الحج) وهو أيضاً ترجيح من غير مرجح ، فلا محيص عن اعتبار المناسبة ، ولعلّه إلى ذلك يشير قوله سبحانه : ﴿وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ

۳۰۸۱