والجواب : أنّ الإخبار بالجنّة ليس إغراء مطلقاً ، لجواز أن يقترن به من الألطاف ما يمتنع عنده من الإقدام على المعصية وإذا انتفى كونه إغراء على هذا التقدير بطل قولهم إنّه مفسدة على الإطلاق.

وأمّا الإخبار بالنار فليس مفسدة أيضاً ، لأن الإخبار إن كان للجاهل كأبي لهب انتفت المفسدة فيه ، لأنه لا يعلم صدق اخباره تعالى ، فلا يدعوه ذلك إلى الإصرار على الكفر ، وإن كان عارفاً كإبليس لم يكن إخباره تعالى بعاقبته داعياً إلى الاصرار على الكفر لأنّه يعلم أنّه بإصراره عليه يزداد عقابه ، فلا يصير مغرياً عليه.

قال : ويَقْبَحُ منه تعالى التعذيبُ مع منعه دون الذمّ.

أقول : المكلّف إذا منع المكلَّف من اللطف قبح منه عقابه ، لأنّه بمنزلة الأمر بالمعصية والملجئ إليها ، كما قال الله تعالى : ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً (١) ، فأخبر أنّهم ـ لو منعهم اللطف في بعثه الرسول ـ لكان لهم أن يسألوا بهذا السؤال ، ولا يكون لهم هذا السؤال إلّا مع قبح إهلاكهم من دون البعثة ، ولا يقبح ذمّه ، لأن الذم حق مستحق على القبيح غير مختص بالمكلَّف (٢) ، بخلاف العقاب المستحق للمكلف ، ولهذا لو بعث الإنسان غيره على فعل القبيح ففعله لم يسقط حق الباعث من الذم ، كما أنّ لإبليس ذمّ أهل النار وإن كان هو الباعث على المعاصي.

__________________

(١) طه : ١٣٤.

(٢) تقدم أنّ اللطف غير مؤثر في التمكين وإنّما هو شيء وراءه ، فمنع المكلف عن اللطف أو عدم منعه ، إنّما يتصوّر فيما إذا كان المكلَّف متمكناً من الامتثال في كلا الحالين ، وعلى ضوء ذلك لا يمكن التفكيك بين التعذيب والذم عند المنع عن اللطف بل يصح ـ

۳۰۸۱