في أن الميت لا يتّصف بالإنذار أو أهل الذكر أو بغيرهما من العناوين المتقدمة بالفعل ، وإنما كان منذراً أو فقيهاً سابقاً إذ لا إنذار للميت ، ولا أنه من أهل الذكر إلى غير ذلك من العناوين المتقدمة ، وقد عرفت أن الأدلة غير شاملة لمن لم يكن متصفاً بالعناوين المأخوذة في الموضوع بالفعل.

وعلى الجملة ، أن الميت لما لم يكن منذراً أو متصفاً بغيره من العناوين المتقدمة بالفعل ، لم تشمله الأدلة القائمة على حجية فتوى المنذر ، ففتوى الميت خارجة عن مداليل الأدلة رأساً. ولا نريد بذلك دعوى أن الحذر يعتبر أن يكون مقارناً للإنذار وحيث إن هذا لا يعقل في فتوى الميت فإن الحذر متأخر عن إنذاره لا محالة فلا تشمله المطلقات ، بل نلتزم بعدم اعتبار التقارن بينهما قضاءً لحق المطلقات لعدم تقييدها بكون أحدهما مقارناً للآخر.

وإنما ندعي أن فعلية العناوين المذكورة وصدقها بالفعل ، هي المأخوذة في موضوع الحجية بحيث لو صدق أن الميت منذر بالفعل أو فقيه أو من أهل الذكر كذلك ، وجب الحذر من إنذاره وحكمنا بحجية فتواه وإن لم يكن الحذر مقارناً لانذاره ، كما إذا لم يعمل المكلف على طبقة بأن فرضنا أن المجتهد أفتى وأنذر وشمل ذلك زيداً مثلاً ثمّ مات المجتهد قبل أن يعمل المكلف على طبق فتواه ، فإنه حجة حينئذٍ ، لأن إنذاره المكلف إنما صدر في زمان كان المجتهد فيه منذراً بالفعل أي كان منذراً حدوثاً وإن لم يكن كذلك بحسب البقاء ، ويأتي في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت أن هذا كاف في حجية الفتوى ، ومن هنا قلنا إن المقارنة بين الإنذار والحذر غير معتبرة لإطلاق الأدلة من تلك الجهة. وأما إذا لم يصدق المنذر أو الفقيه أو بقية العناوين المتقدمة على الميت ولو بحسب الحدوث كما في التقليد الابتدائي ، نظير فتوى ابن أبي عقيل بالإضافة إلى أمثالنا فلا تشمله المطلقات لأن إنذاره ليس من إنذار المنذر أو الفقيه بالفعل.

ثمّ إن بما سردناه ظهر الجواب عن الأخبار الآمرة بالرجوع إلى أشخاص معيّنين كزكريا بن آدم ، ومحمّد بن مسلم ، وزرارة وأضرابهم حيث إن ظهورها في إرادة الإرجاع إلى الحي غير قابل المناقشة ، لأنه لا معنى للإرجاع إلى الميت والأمر بالسؤال أو الأخذ منه ، وذلك لوضوح أن الإرجاع فيها إنما هو إلى هؤلاء الأشخاص‌

۳۷۹