الفتاوى ، فلا ينبغي التردد في أنه يجب الالتزام بإحدى الفتويين أو الفتاوى ، لأن موضوع الحجية لا يتحقق حينئذٍ إلاّ بالالتزام ، وهو مقدمة لتطبيق العمل على طبقها والوجه فيه : أن الحجة يمتنع أن يكون هو الجميع لاستلزامه الجمع بين المتناقضين ، ولا واحد معيّن لأنه بلا مرجح ، كما يمتنع الحكم بالتساقط والرجوع إلى غير الفتوى لأنه خلاف السيرة والإجماع ، إذن يتعيّن أن تكون الحجة ما يختاره المكلّف ويلتزم به وحاصله : أن الحجة في مفروض الكلام هي إحدى الفتويين أو الفتاوى تخييراً والتمييز حينئذٍ بالاختيار والالتزام ، هذا.

ويأتي منّا إن شاء الله في المسألة الثالثة عشرة عند تعرض الماتن قدس‌سره لمسألة ما إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة وحكمه فيها بالتخيير : أن الحجية التخييرية بأي معنى فسّرت أمر لا محصل له في المقام ، وأن الوظيفة حينئذٍ هو الاحتياط لسقوط الفتويين أو الفتاوى عن الحجية بالتعارض ، إذن لا توقف للتقليد على الالتزام فضلاً عن أن يكون التقليد نفس الالتزام عند تعدد المجتهد واختلافهم في الفتوى.

ثمّ إن التكلم في مفهوم التقليد لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة فقهية ، اللهُمَّ إلاّ في النذر ، وذلك لعدم وروده في شي‌ء من الروايات. نعم ، ورد في رواية الاحتجاج « فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً على هواه ، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه » (١) إلاّ أنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد عليها. إذن فلم يؤخذ عنوان التقليد في موضوع أي حكم لنتكلم عن مفهومه ومعناه. وأما أخذه في مسألتي البقاء على تقليد الميت ، والعدول من الحي إلى غيره فهو إنما يتراءى في كلمات الأصحاب ( قدّس الله أسرارهم ) حيث عنونوا المسألتين كما نقلناه ، ومن المعلوم أنهما بهذين العنوانين غير واردتين في الأخبار.

نعم ، سبق إلى بعض الأذهان أن حكم المسألتين مبني على معنى التقليد فيختلف الحال فيهما باختلافه ، لأنا لو فسّرناه بالالتزام وفرضنا أن المكلف التزم بالعمل بفتوى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣١ / أبواب صفات القاضي ب ١٠ ح ٢٠.

۳۷۹