عن غيرها بالاحتياط. وعمدة القائلين باعتبارهما هم المتكلمون ، بدعوى أن العقل مستقل بحسن الإتيان بالمأمور به بقصد الوجه متميزاً عن غيره وأنه لا حسن في العمل الفاقد للأمرين.

ويدفعه : أن اعتبار الأمرين في الواجبات يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ، إذ لو كانا معتبرين في الواجبات لأشاروا عليهم‌السلام إلى اعتبارهما في شي‌ء من رواياتهم لكثرة الابتلاء بهما ، فمن عدم ورود الأمر بهما في الأخبار يستكشف عدم وجوبهما واقعاً ، هذا ولو شككنا في وجوبهما فأصالة البراءة تقضي بعدم اعتبارهما في الواجبات.

على أن الدعوى المتقدمة لو تمت فإنما يتم في الواجبات النفسية ، وأما الواجبات الضمنية فلا تأتي فيها بوجه لأن الحسن المدعى إنما هو في الإتيان بمجموع الأجزاء والشرائط بقصد الوجه والتمييز ، لا في كل واحد واحد من الأجزاء. إذن لا مانع من الإتيان بشي‌ء مما يحتمل أن يكون واجباً ضمنياً بالاحتياط وإن كان فاقداً لقصد الوجه والتمييز.

ثمّ إن لشيخنا الأستاذ قدس‌سره تفصيلاً في المقام ذكره في دورته الأخيرة وتوضيحه : أن العمل العبادي قد نعلم بتعلق الأمر به ونشك في وجوبه واستحبابه وهذا لا إشكال في جواز الاحتياط فيه لا مكان الإتيان فيها بالعمل بداعي أمر المولى للعلم بوجوده وتعلقه بالعمل ، وإن لم نعلم أنه وجوبي أو ندبي. نعم ، لا يمكننا الإتيان به بقصد الوجه إلاّ أنه غير معتبر في العبادات. وقد نعلم أن العمل عبادي بمعنى أنه على تقدير تعلق الأمر به يعتبر أن يؤتى به بقصد القربة ، من غير أن نعلم بكونه متعلقاً للأمر كما في الفرض السابق ، بأن نشك في أنه هل تعلق به الأمر الوجوبي أو الندبي أم لم يتعلق ، وهذا كما في الوضوء بعد الغسل في غير غسل الجنابة ، حيث إن الوضوء فعل عبادي يعتبر فيه قصد القربة قطعاً إلاّ أنا نشك في أنه هل تعلق به أمر في المقام أم لم يتعلق ، وأفاد أن في أمثال ذلك لا مجال للاحتياط بأن يؤتى به رجاءً مع التمكن من الامتثال التفصيلي والعلم بالمأمور به.

وهذا لا لاعتبار قصد الوجه والتمييز ، لما تقدم من عدم اعتبارهما في الواجبات بل‌

۳۷۹