والمتحصل إلى هنا : أن القاعدة تقتضي وجوب الإعادة أو القضاء فيما إذا كان العمل المأتي به على طبق الحجة السابقة فاقداً لجزء ركني حسبما تدل عليه الحجة الثانية وكان بطلان العمل عند المجتهد الثاني من جهة الإفتاء به ، لا من جهة الاحتياط وقاعدة الاشتغال.

ومنها : أن قضاء العبادات السابقة على كثرتها أمر عسر وموجب للحرج على المكلفين وهما منفيان في الشريعة المقدسة ، وذلك لأن العمل على طبق الحجة السابقة قد يطول وقد يقرب طيلة الحياة ، كما إذا عدل عن فتوى مقلده بموت أو بغيره من الأسباب المسوّغة في أواخر عمره وقلّد مجتهداً يرى بطلان أعماله المتقدمة ، ولا شبهة في أن قضاء تلك الأعمال أمر حرجي.

وفيه : أن هذا الدليل لو تمّ فإنما يتمّ في القضاء ولا يأتي في الإعادة لأنه في مثل الصلاة إذا عدل إلى فتوى المجتهد الّذي يرى بطلانها ولم يفت بعد وقت الصلاة لم يكن في إعادتها حرج بوجه. نعم ، قد يتحقق الحرج في الحج لو قلنا بوجوب إعادته والإتيان به مطابقاً لفتوى المجتهد الثاني.

وكيف كان ، فقد بيّنا في محلّه أن الحرج كالضرر المنفيين في الشريعة المقدسة والمدار فيهما إنما هو على الحرج والضرر الشخصيين لا النوعيين ، والحرج الشخصي أمر يختلف باختلاف الموارد والأشخاص ، فكل مورد لزم فيه من الحكم بوجوب الإعادة أو القضاء حرج على المكلف ، فلا مناص من أن يلتزم بعدم وجوبهما كما إذا لزم منه وجوب قضاء العبادة خمسين سنة مثلاً وكان ذلك حرجياً على المكلف. وأمّا الموارد الّتي لا يلزم فيها من الحكم بوجوبهما حرج عليه ، فلا مقتضي للحكم بعدم وجوب الإعادة أو القضاء ، كما إذا بنى على أن التيمم ضربة واحدة فتيمم وصلّى ثمّ عدل عن ذلك غداً فبنى على أنه ضربتان ، ومن الواضح أن قضاء عبادة اليوم الواحد مما لا عسر فيه ولا حرج ، ومعه لا موجب لنفي وجوب الإعادة أو القضاء لأنه لازم كون المدار على الحرج الشخصي دون النوعي هذا.

على أن الاستدلال بقاعدة نفي الحرج ليس من الاستدلال في محل الكلام ، لأن البحث إنما هو في موارد قيام الحجة التعبدية على الخلاف ، ولا كلام في أن الحرج‌

۳۷۹