الأُمور إلى قضاة الجور لا معنى لنهيهم عن ذلك.

وعلى الجملة : أن الولاية من شؤون القضاء ، ومع الالتزام بأن المجتهد مخوّل للقضاء لا بدّ من الالتزام بثبوت الولاية المطلقة له وبجواز أن يتصدى لما يرجع إليها في عصر الغيبة.

والجواب عن ذلك : أن القضاء بمعنى إنهاء الخصومة ، ومن هنا سمي القاضي قاضياً لأنه بحكمه ينهى الخصومة ويتم أمرها ويفصله. وأما كونه متمكناً من نصب القيّم والمتولي وغيرهما أعني ثبوت الولاية له فهو أمر خارج عن مفهوم القضاء كلّية ، فقد دلتنا الصحيحة على أن الشارع نصب الفقيه قاضياً ، أي جعله بحيث ينفذ حكمه في المرافعات وبه يتحقق الفصل في الخصومات ويتم أمر المرافعات ، ولا دلالة لها بوجه على أن له الولاية على نصب القيّم والحكم بثبوت الهلال ونحوه. لما تقدم من أن القاضي إنما ينصب قاضياً لأن يترافع عنده المترافعان وينظر هو إلى شكواهما ويفصل الخصومة بحكمه ، وأما أن له إعطاء تلك المناصب فهو أمر يحتاج إلى دليل آخر ولا دليل عليه. فدعوى أن الولاية من شؤون القضاء عرفاً ممنوعة بتاتاً. بل الصحيح أنهما أمران ويتعلّق الجعل بكل منهما مستقلا.

وأما تصدي قضاة العامة لكل من القضاء وما يرجع إلى الولاية فهو أيضاً من هذا القبيل ، بمعنى أنهما منصبان مستقلان والخليفة ربما كان يعطي منصب القضاء لأحد ويعطي منصب الولاية لأشخاص آخرين ، وربّما كان من باب الاتفاق يعطي ذلك المنصب أيضاً للقاضي فيصير القاضي بذلك ذا منصبين مجعولين بجعلين لا أن أحدهما من شؤون الآخر ، بحيث يغني جعل أحدهما عن جعل الآخر ، وفي عصر الحكومة العثمانية الّتي هي قريبة العهد من عصرنا أيضاً كان الأمر كما ذكر ، ولم يكن الولاية فيه من شؤون القضاء لئلاّ يحتاج إلى الجعل بعد جعل القضاء.

وأما عدم ارتفاع الحاجة عن أصحابهم عليهم‌السلام فيما إذا كان الفقيه قاضياً فحسب ولم يكن له الولاية على بقية الجهات ففيه : أن هذه المناقشة إنما تتم فيما إذا لم يتمكن الفقيه المنصوب قاضياً شرعاً من التصرف في تلك الجهات أبداً ، وأما لو جاز له أن يتصدى لها لا من باب الولاية بل من باب الحِسبة على ما سيتضح قريباً‌

۳۷۹