« فإني قد جعلته عليكم حاكماً ... » (١). وصحيحة أبي خديجة ، ففيها : « فإني قد جعلته عليكم قاضياً ... » (٢) فإن مقتضى الإطلاق فيهما أن يترتب الآثار المرغوبة من القضاة والحكّام بأجمعها على الرواة والفقهاء ، ومن تلك الآثار تصدّيهم لنصب القيّم والولي على القصّر ، والمتولي على الأوقاف الّتي لا متولي لها والحكم بالهلال وغيرها.

وذلك لأنه لا شبهة ولا كلام في أن القضاة المنصوبين من قبل العامة والخلفاء كانوا يتصدون لتلك الوظائف والمناصب كما لا يخفى على من لاحظ أحوالهم وسبر سيرهم وسلوكهم.

ويكشف عن ذلك كشفاً قطعياً صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « مات رجل من أصحابنا ، ولم يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد القيّم بماله ، وكان الرجل خلّف ورثة صغاراً ومتاعاً وجواري ، فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن ، إذ لم يكن الميت صيّر إليه وصيته ، وكان قيامه فيها بأمر القاضي ، لأنهن فروج قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ولا يوصي إلى أحد ويخلف جواري فيقيم القاضي رجلاً منّا فيبيعهن أو قال : يقوم بذلك رجل منّا فيضعف قلبه لأنهن فروج فما ترى في ذلك؟ قال فقال : إذا كان القيّم به مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس (٣). لأنها صريحة في أن القضاة كانوا يتصدون لنصب القيّم ونحوه من المناصب ، فإذا دلت الرواية على أن المجتهد الجامع للشرائط قد جعل قاضياً في الشريعة المقدسة ، دلتنا بإطلاقها على أن الآثار الثابتة للقضاة والحكّام بأجمعها مترتبة على الفقيه ، كيف فإن ذلك مقتضى جعل المجتهد قاضياً في مقابل قضاتهم وحكّامهم. لأن الغرض من نصبه كذلك ليس إلاّ عدم مراجعتهم إلى قضاة الجور ، ورفع احتياجاتهم عن قضاتهم ، فلو لم تجعل له الولاية المطلقة ولم يكن متمكناً من إعطاء تلك المناصب لم يكن جعل القضاوة له موجباً لرفع احتياجاتهم ، ومع احتياجهم واضطرارهم إلى الرجوع في تلك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٦ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٩ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٦٣ / أبواب عقد البيع وشروطه ب ١٦ ح ٢.

۳۷۹