أن الرسالة مقدمة على النقل.

والصحيح أن يقال : إن المتعارضين من تلك الأُمور إن كانا ناظرين إلى زمانين متعددين فلا تعارض بينهما حقيقة فيما إذا احتمل العدول في حقه ، بل اللاّزم وقتئذٍ هو الأخذ بالمتأخر منهما زماناً ، واستصحاب عدم العدول عن الفتوى السابقة لا يعارض الأمارة كما تقدم.

وإذا فرضناهما ناظرين إلى زمان واحد أو زمانين مع العلم أيضاً بعدم العدول كانت الأمارتان متعارضتين لا محالة ، وحينئذٍ إذا كانت المعارضة بين السماع من المجتهد شفاهاً وبين نقل الثقة أو البينة فإن لم يحتمل الخطأ فيما سمعناه من المجتهد كما لو اتحد المجلس وسئل فيه المجتهد عن المسألة واختلف فيما أجاب به عن السؤال فأخبر الثقة أو البينة عن أنه أفتى في المجلس بالجواز ، والمقلّد سمع منه الفتوى بالحرمة مثلاً فهما من الدليلين المتعارضين أحدهما قطعي والآخر ظني ، للقطع بعدم الخطأ في الفتوى المسموعة من المجتهد وأن ما سمعناه منه بالمشافهة من الحكم بالحرمة هو فتواه في المسألة ، ومعه يسقط النقل عن الحجية للعلم بعدم مطابقته للواقع ، لأنه إما كاذب أو مشتبه في نقله ، هذا إذا كانا ناظرين إلى زمان واحد.

وأما إذا كان كل منهما ناظراً إلى زمان ، وعلمنا عدم عدول المجتهد عن الفتوى السابقة فالأمر أيضاً كذلك ، لاستلزام العلم بفتواه الفعلية بالسماع العلم بأن فتواه السابقة أيضاً كذلك ، لأن مفروضنا العلم بعدم عدول المجتهد عن فتواه السابقة ، إذن يقع التعارض بين السماع والنقل في الزمان السابق فيتقدم السماع لأنه قطعي ، والنقل معلوم الخلاف كما مرّ.

وأما لو احتملنا الخطأ في فتواه الّتي سمعناها منه شفهاً ، كما إذا تعدد المجلس فسمعنا منه الفتوى بالجواز في مجلس ونقل عنه الثقة أو البينة الفتوى بعدم الجواز في مجلس آخر ، مع العلم بعدم عدوله عن فتواه السابقة ، فلا علم لنا حينئذٍ بكذب الناقل أو خطأه ، لأنه من المحتمل أن يكون الخطأ في فتوى المجتهد الّتي سمعناها عنه شفاهاً ، ومع هذا الاحتمال لا مانع من شمول أدلة الاعتبار لنقل الثقة أو البينة. وحيث إنّا نحتمل الخطأ في كل من الناقل والمجتهد تجري أصالة عدم الغفلة والخطأ في كل منهما ومقتضاها القطع التعبدي بصدور كلتا الفتويين لولا المعارضة ، لكنا علمنا بالخطإ في‌

۳۷۹