ما ذكره بقوله : بل قد يدعى أن الموجودين في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممن أمر بالترافع إليهم قاصرون عن مرتبة الاجتهاد وإنما كانوا يقضون بما سمعوه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعوى قصور من علم جملة من الأحكام مشافهة أو بالتقليد عن منصب القضاء بما علمه خالية عن الدليل. وردّ الإجماع المدعى في كلماتهم بقوله : وأما دعوى الإجماع الّتي قد سمعتها فلم أتحققها بل لعلّ المحقق عندنا خلافها (١). انتهى ما أردنا نقله.

وقد يجاب عن ذلك بأن استدلاله قدس‌سره هذا ليس إلاّ تمسكاً بالإطلاق ويكفي في تقييده ورفع اليد عن المطلقات الواردة في المقام ، مقبولة عمر بن حنظلة الصريحة في اعتبار النظر والاجتهاد في الحاكم ، حيث ورد فيها « ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً ... » (٢) والتوقيع الشريف بخط مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام ... ، « وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ... » (٣). لدلالتهما على لزوم الرجوع إلى رواة الحديث وهم المطّلعون بالأحكام الشرعية بواسطة الروايات المأثورة عنهم عليهم‌السلام والنظر في مداليلها ورفع معارضاتها أو الجمع بينها وهو المعبّر عنه في الاصطلاح بالاجتهاد ومن هنا يظهر أن المقبولة قد دلت على اعتبار النظر والاجتهاد في القاضي بجميع جملاتها الثلاث أعني قوله عليه‌السلام روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا. فالاستدلال بها غير مختص بالجملة الوسطانية فحسب ، فإن رواية الحديث والمعرفة بالأحكام مستتبعان أيضاً للاجتهاد بالتقريب المتقدم. ثمّ إنه وإن كانت المطلقات والمقيد كلاهما مثبتين إلاّ أن المقيد لما ورد في مقام البيان اقتضى ذلك تقديمه على المطلقات وتقييدها به لا محالة.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤٠ : ١٥.

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٦ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٠ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ٩.

۳۷۹