المتيقن منه في ترتب الآثار عليه وهو المضيّق ، وأما الزائد على ذلك أعني الموسّع فلا وذلك للشك في أن الآثار المرغوبة من العدالة هل يترتب عليه في الشريعة المقدسة أو لا ، ومقتضى الأصل عدم ترتبها عليه. إذن فجواز الايتمام في صلاة الجماعة ونفوذ القضاء والشهادة وغيرها من آثار العدالة إنما تترتب على ترك المحرّمات والإتيان بالواجبات إذا كان الباعث إليهما هو الملكة النفسانية ، وأما مجرد ترك الحرام أو الإتيان بالواجب من دون ملكة تدعو إليهما فمقتضى الأصل عدم ترتب الآثار عليه.

ويرد على هذا الوجه :

أولاً : أن العدالة ليست من المفاهيم المجملة المرددة بين السعة والضيق حتى يجب الأخذ بالمقدار المتيقن منها كما ذكر ، وإنما هي مفهوم مبيّن لما تقدم ويأتي أيضاً من أنها بحسب اللغة والأخبار هي الاستقامة العملية في جادة الشرع وأن هذا هو الّذي أُخذ في موضوع الأحكام الشرعية وهو مفهوم موسع ، فإذا شككنا في تقييده بالملكة فلا محالة ندفع احتمال التقييد بالأصل.

وثانياً : أن ما أفاده قدس‌سره من الأخذ بالمضيّق والقدر المتيقن وعدم ترتب الأثر على الموسّع بالأصل ، إنما يتم في الآثار الّتي أُخذت العدالة في موضوعها بالقرينة المتصلة كما في الشاهد بقوله عزّ من قائل ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (١) وذلك لأن العدالة إذا قلنا باجمالها فالمقدار المتيقن من الموضوع المقيد بذلك القيد المجمل ، هو الشاهد الّذي يستقيم في أعماله عن الملكة النفسانية الداعية إلى الطاعة لأنه الّذي نقطع بترتب الأثر عليه ، وأما الشاهد الّذي يستقيم في أعماله لا عن ملكة فنشك في ترتب الأثر عليه والأصل عدمه أي عدم نفوذ شهادته. ولا يتم فيما أُخذت العدالة في موضوع الحكم بالقرينة المنفصلة كما في بابي الفتوى والقضاء ، فإن الأدلة القائمة على حجية فتوى الفقيه من السيرة وغيرها مطلقة ولم يقيد فيها اعتبارها بما إذا كان المنذر أو العالم عادلاً ، وإنما استفدنا اعتبار العدالة بدليل منفصل كالضرورة أو رواية الاحتجاج أو غيرهما مما استدل به على اعتبارها فإذا فرضنا أن مفهوم العدالة مجمل مردد بين الموسّع والمضيّق فلا مناص من أن يقتصر في تقييد المطلقات بالمقدار المتيقن‌

__________________

(١) الطلاق ٦٥ : ٢.

۳۷۹