وإنما الكلام فيما لو سلكنا مسلك صاحب الكفاية قدس‌سره وقلنا إن المجعول في باب الحجج والأمارات هو المعذّرية أو المنجّزية دون الطريقية ولا الحكم المماثل ، فإن المجتهد حينئذٍ ليس بعالم بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية ، كما أنه ليس بفقيه ومعه كيف يسوغ تقليده وهل هذا إلاّ من رجوع الجاهل إلى جاهل مثله؟

وأجاب عن ذلك صاحب الكفاية بأن المجتهد وقتئذٍ وإن لم يكن عالماً بالأحكام الواقعية ولا الظاهرية ، إلاّ أنه عالم بموارد قيام الدليل والحجة على الحكم الشرعي ومتمكن من تشخيصها ، وبهذا الوجه يصح تقليده ويجوز الرجوع إليه (١) هذا.

ولا يخفى أن الالتزام بما سلكه صاحب الكفاية قدس‌سره من أن المجعول هو التنجيز والتعذير وإن كان لا يمكن المساعدة عليه ، لما بيّناه في محلّه من أن المجعول في باب الأمارات هو الكاشفية والطريقية دون المعذّرية والمنجّزية ، لأن قبح العقاب من دون البيان ووجوب دفع الضرر المحتمل قاعدتان عقليتان وغير قابلتين للتخصيص بوجه. فإذا قام الخبر الواحد مثلاً على وجوب شي‌ء أو حرمته فلا مناص من أن نلتزم بتنجّز الواقع واستحقاق العقاب على تقدير المخالفة ، ولا يتم ذلك إلاّ بناءً على حجية الخبر حتى ينقلب به موضوع عدم البيان إلى البيان ، ولا يقبح العقاب على مخالفته. إذن التنجيز أمر مترتب على الحجية لا أنه بمعنى الحجية ، وسرّه أنه مع قطع النظر عن حجية الخبر مثلاً لا موجب للالتزام بتنجّز الواقع على المكلف ، بل مقتضى قاعدة قبح العقاب من دون بيان عدم التنجّز ، وعدم استحقاق العقاب على مخالفته لأنه بلا بيان ، وقد عرفت أن قبح العقاب حينئذٍ حكم عقلي غير قابل للتخصيص بوجه.

وكذلك الحال فيما إذا قام الخبر مثلاً على إباحة شي‌ء في مورد واحتملنا فيه الضرر بمعنى العقاب ، فإنه لا شبهة في معذورية المكلف وعدم استحقاقه العقاب على تقدير مخالفة الواقع ، ولا تتم هذا إلاّ بعد حجية الخبر فإنه لو لا كونه حجة لم يكن بدّ من الاحتياط ، لوجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب وهو أيضاً حكم عقلي غير قابل للتخصيص. إذن المعذّرية كالمنجّزية مترتبة على الحجية لا أنها بمعنى الحجية ، ومعه‌

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٤٦٥.

۳۷۹