عرف مسألة أو مسألتين ، ولم يكن من إضراب هؤلاء الأكابر من الرواة.

نعم ، مقتضى السيرة العقلائية عدم الفرق في رجوع الجاهل إلى العالم بين أن يكون مجتهداً مطلقاً أو متجزئاً ، لوضوح أن جاهلهم بشي‌ء يرجع إلى العالم به وإن لم يكن له معرفة بغيره من الأُمور ، فتراهم يراجعون الطبيب الأخصّائي بالعيون مثلاً وإن لم يكن له خبرة بغيرها من الجهات ، وكذلك من له معرفة ببعض المسائل دون بعض وإن كان قليلاً. بل قد يقدمون نظر المجتهد المتجزّي على قول المجتهد المطلق عند المعارضة ، كما إذا كان المتجزي أعلم من المجتهد المطلق لممارسته ودقته في العلوم العقلية وكونه أقوى استنباطاً منه فيما يرجع إلى تلك المباحث من المسائل كوجوب مقدمة الواجب وبحثي الضد والترتب وغيرها ، وإن لم يكن له قوة بتلك المثابة في المسائل الراجعة إلى مباحث الألفاظ كغيرها.

وعلى الجملة لا فرق بحسب السيرة العقلائية بين المجتهد المطلق والمتجزي بوجه ومقتضى ذلك جواز تقليده فيما استنبطه من الأحكام وإن كانت قليلة غير مصححة لإطلاق الفقيه عليه ، وهذا لعلّه مما لا كلام فيه.

وإنما الكلام في أن السيرة هل ردع عنها في الشريعة المقدسة أو لا رادع عنها بوجه. وما يمكن أن يكون رادعاً عنها إنما هو الكتاب والسنة ، لوضوح أن غيرهما مما يمكن الاستدلال به على جواز التقليد غير صالح للرادعية أبداً.

أما الكتاب فقوله عزّ من قائل ﴿ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١) وإن كان صالحاً للرادعية وذلك لأن ظاهر الأمر بالسؤال أن السؤال عن أهل الذكر واجب تعييني ، وأن الواجب على غير العالم أن يسأل أهل الذكر متعيناً ، لا أنه واجب مخير بأن يكون غير العالم مأموراً بالسؤال من أهل الذكر أو غيرهم مخيراً بينهما ، ومن الواضح أن أهل الذكر غير صادق على من علم مسألة أو مسألتين. إذن الآية المباركة قد أوجبت الرجوع إلى المجتهد المطلق متعيناً ، وهذا ينافي جواز الرجوع إلى المتجزي لأن مرجعه إلى التخيير بينهما وقد فرضنا أن الآية دلت على تعين الرجوع إلى المجتهد‌

__________________

(١) الأنبياء ٢١ : ٧.

۳۷۹