قد يقال باستحالة التجزي في الاجتهاد ، نظراً إلى أنه ملكة كملكة الشجاعة أو السخاوة وغيرهما من الملكات ، والملكة كيف نفساني بسيط غير قابل للتجزية والتقسيم من التنصيف أو التثليث أو غيرهما ، وإنما القابل لذلك هو الكم فدائماً يدور أمر الملكة بين الوجود والعدم ولا يعقل أن تتحقق متبعّضة بأن يقال : إن لفلان نصف ملكة الشجاعة أو نصف ملكة الاجتهاد ، إذن المتصدّي للاستنباط إمّا أن يكون مجتهداً مطلقاً ، وإما أن لا يتصف بالاجتهاد أصلاً فالتجزي في الاجتهاد أمر غير معقول هذا.

لكن المغالطة في هذه الدعوى بينة ، لوضوح أن مدعي إمكان التجزّي لا يريد بذلك أن ملكة الاجتهاد قابلة للتجزية ، وأن للمتجزي نصف الملكة أو ثلثها فإنه كما مرّ غير معقول ، نظير دعوى أن زيداً له نصف ملكة الشجاعة مثلاً ، بل مراده أن متعلق القدرة في المتجزّي أضيق دائرة من متعلقها في المجتهد المطلق لأنها فيه أوسع وتوضيحه : أن القدرة تتعدد بتعدد متعلقاتها ، فإن القدرة على استنباط حكم ، مغايرة للقدرة على استنباط حكم آخر ، وهما تغايران القدرة على استنباط حكم ثالث نظير القدرة على بقية الأفعال الخارجية ، فإن القدرة على الأكل غير القدرة على القيام وهما غير القدرة على التكلم وهكذا. كما أن من الواضح أن الأحكام تختلف بحسب سهولة المدرك والاستنباط وصعوبتهما ، فربّ حكم اختلفت فيه الأقوال وتضاربت أدلته وأخباره ، وحكمٍ مدركه رواية واحدة ظاهرة الدلالة وتامة السند ، ومن البديهي أن الاستنباط في الأوّل أصعب وفي الثاني أسهل. إذن يمكن أن يحصل للإنسان ملكة وقدرة على الاستنباط في مسألة لسهولة مقدماتها ومداركها ، ولا يحصل له ذلك في مسألة أخرى لصعوبة مباديها ومأخذها.

فالفرق بين الاجتهاد المطلق والتجزي إنما هو في أن أفراد القدرة ومتعلقاتها في المتجزّي أقل منها في المجتهد المطلق. فلا وجه للمناقشة في إمكان التجزّي بل في وقوعه ، فترى أن الرجل لقوّة استعداده وكثرة ممارسته في الأُمور العقلية ومباديها يتمكن من استنباط الأحكام الراجعة إلى مقدمة الواجب أو اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضدّه أو اجتماع الأمر والنهي أو غيرها من الأحكام الراجعة إلى المباحث‌

۳۷۹