ما ترشدنا إليه السيرة وغيرها أو غيرهما من الجهات إنما دلت على أن فتوى الميت بما هي كذلك حجة تعيينية ، ولا ينافي ذلك كونها حجة تخييرية بلحاظ أن الحجة قامت على جواز العدول وتوسيط فتوى الميت بالجواز.

ونظيره ما إذا أفتى غير الأعلم بوجوب تقليد الأعلم والأعلم أفتى بجواز تقليد غير الأعلم ، فإن فتوى غير الأعلم في نفسها وبعنوان أنها فتواه وإن لم تكن بحجة حتى لو سألناه نفسه عن جواز تقليده لأجاب بعدم الجواز لوجوب تقليد الأعلم عنده ، إلاّ أنها بعنوان أن الحجة قامت على حجيتها والأعلم أفتى بجواز الرجوع إليه متصفة بالحجية من غير أن يكون بين الحكمين أي تهافت ، لأنهما بعنوانين مختلفين وهو من اجتماع عدم الحجية بالعنوان الأولي والحجية بالعنوان الثانوي. وما إذا ذهب الميت إلى أن خبر الثقة حجة في الموضوعات الخارجية كما أنه حجة في الأحكام الشرعية ، وبنى الحي على عدم اعتباره في الموضوعات وأن الحجة فيها هي البينة ، فإن خبر الثقة بما أنه كذلك لا يتصف بالحجية لدى الحي ، إلاّ أنه بعنوان أن الحجة قامت على حجيته وأن الميت أفتى باعتباره ، حجة شرعية لا محالة لأن الحجة قامت على حجيته.

والمتلخص : أنه لا مانع من اجتماع الحجية وعدم الحجية بعنوانين ، فإذا أمكن هذا في تلك الموارد أمكن في محل الكلام أيضاً. إذن لا مانع من أن تكون فتوى الحي بعنوانها الأولي غير متصفة بالحجية وتكون متصفة بالحجية التخييرية بعنوان أن الحجة قامت على حجيتها ، وكذلك الحال في فتوى الميت بأن تتصف بالحجية التعيينية والتخييرية في مورد واحد ، ومعه لا بأس أن يحكم بوجوب البقاء على تقليد الميت في مسألة البقاء لفتوى الحي بوجوبه على تقدير العمل أو التعلم مثلاً ، والمفروض أن المقلّد قد عمل بفتواه هذه أو تعلمها منه حال الحياة فتتصف فتوى الميت بالحجية حتى في مسألة البقاء ويجب عليه أن يبقى على تقليده ، وحيث أنه أفتى بجواز البقاء والعدول إلى الحي فله أن يعدل إلى الحي كما مرّ.

ودعوى أن المجعول في الواقع إما هو الحجية التعيينية أو التخييرية ، فلا يمكن القول بحجية فتوى الميت تعييناً ليترتب عليه الحجية التخييرية ، مما لا يصغي إليه وذلك : أما‌

۳۷۹