وعلى الجملة المنطق إنما يحتوي على مجرد اصطلاحات علمية لا تمسها حاجة المجتهد بوجه ، إذ ليس العلم به ممّا له دخل في الاجتهاد بعد معرفة الأُمور المعتبرة في الاستنتاج بالطبع.

والّذي يوقفك على هذا ، ملاحظة أحوال الرواة وأصحاب الأئمة ( عليهم أفضل الصّلاة ) لأنهم كانوا يستنبطون الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة من غير أن يتعلموا علم المنطق ويطّلعوا على مصطلحاته الحديثة.

والعمدة فيما يتوقف عليه الاجتهاد بعد معرفة اللّغة العربية وقواعدها علمان :

أحدهما : علم الأُصول ، ومساس الحاجة إليه في الاجتهاد مما لا يكاد يخفى لأن الأحكام الشرعية ليست من الأُمور الضرورية الّتي لا يحتاج إثباتها إلى دليل ، وإنما هي أُمور نظرية يتوقف على الدليل والبرهان ، والمتكفل لأدلة الأحكام وبراهينها من الحجج والأمارات وغيرهما مما يؤدي إلى معرفة الأحكام الشرعية علم الأُصول وما من حكم نظري إلاّ ويستنبط من تلك الأدلة ، فعلى المستنبط أن يتقنها ويحصّلها بالنظر والاجتهاد لأنها لو كانت تقليديةً لأدى إلى التقليد في الأحكام لأن النتيجة تتبع أخسّ المقدمتين كما تأتي الإشارة إليه في محله.

وثانيهما : علم الرجال ، وذلك لأن جملة من الأحكام الشرعية وإن كانت تستفاد من الكتاب إلاّ أنه أقل قليل ، وغالبها يستفاد من الأخبار المأثورة عن أهل البيت عليهم‌السلام وعلى ذلك إن قلنا بأن الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة مقطوعة الصدور ، أو أنها ممّا نطمئن بصدورها لأن الأصحاب عملوا على طبقها ولم يناقشوا في إسنادها وهذا يفيد الاطمئنان بالصدور ، فقد استرحنا من علم الرجال لعدم مساس الحاجة إلى معرفة أحوال الرواة كما سلك ذلك المحقق الهمداني قدس‌سره حيث قال :

ليس المدار عندنا في جواز العمل بالرواية على اتصافها بالصحة المطلوبة ، وإلاّ فلا يكاد يوجد خبر يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق لولا البناء على المسامحة في طريقها والعمل بظنون غير ثابتة الحجية. بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية‌

۳۷۹