معاً لأنه تفويت اختياري بلا سبب ، فلا مناص من اتباع إحدى الفتويين تخييراً.

والكلام في الجواب عن ذلك يقع في جهات :

الاولى : أن السببية هل يمكن الالتزام بها في حجية الطرق والأمارات أو أنها باطلة بأقسامها؟ وقد قرّرنا في محلّه (١) أن السببية بجميع أقسامها حتى السببية المنسوبة إلى بعض العدلية أعني بها الالتزام بالمصلحة في السلوك ، باطلة ولا نطيل الكلام بإعادته.

الثانية : أن القاعدة في موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير على القول بالسببية ، هل تقتضي التساقط أو أنها تقتضي التخيير؟ وقد قدّمنا الكلام في ذلك أيضاً في محلّه وقلنا إن القاعدة تقتضي التساقط في المتعارضين حتى على القول بالسببية وحيث إن حجية فتوى الأعلم وغير الأعلم من باب التعارض ، لعدم إمكان جعل الحجية لكلتا الفتويين لاستلزامه الجمع بين الضدين أو النقيضين ، فدليل الحجية في كل منهما ينفي الحجية عن الأُخرى بالالتزام ، فهما متعارضان ولا مناص من الحكم بتساقطهما.

وليس المقام من باب التزاحم وعدم قدرة المكلف على امتثالهما معاً ، بل هما متنافيان بحسب الجعل فإذا سقطت الفتويان عن الحجية لم تبق هناك أية مصلحة حتى يستقل العقل بلزوم استيفاء إحدى المصلحتين ووجوب اتباع إحدى الفتويين تخييراً ومن الظاهر أن الأمر بالاتباع إنما هو فيما ثبتت حجيته من الطرق ولا يمكن التفوّه بأن المصلحة قائمة بذواتها وإن لم تكن حجة شرعاً ، لأنه أي مصلحة في اتباع فتوى من لم يحكم بحجيتها لكفره أو فسقه أو لغيرهما من الجهات.

الثالثة : أنّا لو بنينا على أن المقام من صغريات باب التزاحم ، فهل تقتضي القاعدة التخيير في المتزاحمين أو أنها تقتضي الأخذ بما يحتمل أهميته ، وحيث أن المصلحة القائمة بالعمل على فتوى الأعلم تحتمل أهميتها فيتعيّن الرجوع إليه عند دوران الأمر بين تقليده وتقليد غير الأعلم؟

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٩٥.

۳۷۹