الثانية : قالوا : لو قال الإنسان لأكذبنّ غداً فإن حسن منه الصدق بإيفاء الوعد (١) لزم حسن الكذب ، وإن قبح كان الصدق قبيحاً فيحسن الكذب.

والجواب فيهما واحد ، وذلك لأن تخليص النبي أرجح (٢) من الصدق ، فيكون تركه أقبح من الكذب ، فيجب ارتكاب أدنى القبيحين وهو الكذب لاشتماله على المصلحة العظيمة الراجحة على الصدق.

وأيضاً يجب عليه ترك الكذب في غد (٣) لأنّه إذا كذب في الغد فعل شيئاً فيه جهتا قبح وهو العزم على الكذب وفعله ، ووجهاً واحداً من وجوه الحسن وهو الصدق ، وإذا ترك الكذب يكون قد ترك تتمة العزم والكذب وهما وجها حسن ، وفعل وجهاً واحداً من وجوه القبح وهو الكذب.

__________________

(١) توضيح الاستدلال : أنّه إذا قال إنسان لأكذبن غداً يلزم حسن أحد الكذبين :

لأنّه إن حسن العمل بوعده يجب عليه أن يكذب غداً ، فيكون هذا الكذب المحقِّق للعمل بالوعد الحسن ، حسناً أيضاً.

وإن قبح العمل بالوعد ، وبالتالي يلزم عليه ـ إن أخبر ـ أن يخبر خبراً صادقاً ، فما أخبر به وإن كان بذاته صادقاً لكنه بالقياس إلى ما وعده كاذب والمخاطب يتصوّر أنّه خبر كاذب ، وإنما يكون صادقاً لو أخبر بخبر كاذب لا ما إذا أخبر بخبر صادق ، ولو أخبر عن صدق يعدّ كاذباً بالنسبة إلى ما وعد.

وإلى هذا الشق أشار بقوله : «وإن قبح كان الصدق قبيحاً ، فيحسن الكذب».

ومراده من الصدق هو الإخبار عن كذب ، كما أنّ مراده من الكذب هو الاخبار عن صدق ، الذي يُعدُّ بالنسبة إلى ما وعد خبراً كاذباً.

(٢) هذا توضيح لكون الكذب في القضية الأُولى من باب ارتكاب أدنى القبيحين.

(٣) بيان لكون الصدق في غد ارتكاب لأقل القبيحين ، بخلاف الكذب فإنّه ارتكاب للقبيحين ، إلى هنا تم الجواب الأوّل عن كلتا الشبهتين.

۳۰۸۱