وأمّا التائب خوفاً من النار فإن كان الخوف من النار هو الغاية في توبته بمعنى أنّه لو لا خوف النار لم يتب فكذلك ، أي لا يصح منه التوبة لأنّها ليست توبة عن القبيح لقبحه فجرى مجرى طالب سلامة البدن ، وإن لم يكن هو الغاية بأن يندم عليه لأنّه قبيح وفيه عقاب النار ولو لا القبح لما ندم عليه ، وإن كان فيه خوف النار ، صحّت توبته ، وكذا الإخلال بالواجب : إن ندم عليه لأنّه إخلال بواجب وعزم على فعل الواجب في المستقبل لأجل كونه إخلالاً بواجب فهي توبة صحيحة ، وإن كان خوفاً من النار أو من فوات الجنة فإن كان هو الغاية لم تصح توبته وإلّا كانت صحيحة ، ولهذا أنّ المسيء لو اعتذر إلى المظلوم لا لأجل إساءته بل لخوفه من عقوبة السلطان لم يقبل العقلاء عذره.
قال : فلا تصحُّ من البعض ، ولا يتمُّ القياسُ على الواجب.
أقول : اختلف شيوخ المعتزلة ، فذهب أبو هاشم إلى أن التوبة لا تصح من قبيح دون قبيح ، وذهب أبو علي إلى جواز ذلك.
والمصنف رحمهالله استدل على مذهب أبي هاشم بأنا قد بيّنا أنّه يجب أن يندم على القبيح لقبحه ولو لا ذلك لم تكن مقبولة على ما تقدم والقبح حاصل في الجميع ، فلو تاب من قبيح دون قبيح كشف ذلك عن كونه تائباً عنه لا لقبحه.
واحتج أبو علي بأنّه لو لم تصح التوبة عن قبيح دون قبيح لم يصح الإتيان بواجب دون واجب والتالي باطل فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : أنّه كما يجب عليه ترك القبيح لقبحه كذا يجب عليه فعل الواجب لوجوبه ، فلو لزم من اشتراك القبائح في القبح عدم صحة التوبة من